الأربعاء، 20 فبراير 2013

لهم قلوبٌ لا يَعقِــــــلون بها


"فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"

لهم قلوبٌ لا يَعقِــــــلون بها




بقلم : سوسن سحاب

"الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله آلا بذكر الله تطمئن القلوب"
صلاح الجسد والعقل أو فسادهما تابعا للقلب
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"


تكررت كلمة القلب في القرآن الكريم أكثر من مائة وعشرين مرة.....ونستخدمها في حياتنا اليومية عشرات المرات.....وكثر الحديث والجدال عنه قديما وحديثا حتى أنار الله بصائر بعض العلماء الذين عرفوا أسرار "القلب" واكتشفوا الإعجاز العلمي للآية الكريمة "لهم قلوب لا يعقلون بها" الحج 46 !!!!!
فما هو القلب؟؟؟؟ هل هو فقط هذه العضلة التي تنبض وتضخ الدم لأعضاء الجسم؟؟؟ ولماذا ينبض بشدة عندما نخاف أو نحب؟؟ لماذا يكاد يخرج من صدورنا هلعا تارة ويهدأ ويطمئن تارة؟؟؟
وأرجَع النبي صلى الله عليه وسلم صلاح الإنسان أو فساده على حالة قلبه فهو محل الصلاح والفساد "وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" وبهذا الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم جعل صلاح الجسد وفساده تابعاً للقلب, مع أن الدماغ من جملة الجسد فيكون صلاحه وفساده تابعاً للقلب وليس العكس.
لهم قلوب لا يفقهون بها
واحتج الإمام النووي بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس, واحتج القائلون بأنه في القلب بقوله تعالى: "أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" الحج 46, وأيضا قوله تعالى " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب" ق 37.
أما ابن القيم فإنه يجمع بين العقل والقلب والدماغ بطريقة رائعة فيقول: الصواب إن مبدأه ومنشأه من القلب –أي العقل- وفروعه وثمرته في الرأس، ولم يرد بالقلب هنا مضغة اللحم المشتركة بين الحيوانات بل المراد ما فيه من العقل واللب.

أربع أعين
وقال مجاهد: لكل إنسان أربع أعين...عينان في رأسه لدنياه وعينان في قلبه لآخرته, فإن عميت عينا رأسه وأبصرت عينا قلبه فلم يضره عماه شيئا، وإن أبصرت عينا رأسه وعميت عينا قلبه فلم ينفعه نظره شيئا. أي من كان في هذه أعمى بقلبه عن الإسلام فهو في الآخرة في النار.

العقل محله القلب
وهذه آية أخرى تشير أن العقل محله القلب وليس الدماغ كما يُعتَقد "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" الأعراف 179.
وهنا يبين سبحانه وتعالى أن هؤلاء الكفار لا يفتحون قلوبهم للتفكير والتدبر كما لا يستخدمون أعينهم للإبصار...

نزَّله على قلبك
ولو كان العقل في الدماغ لأنزل الله كتابه على عقل النبي صلى الله عليه وسلم لا قلبه, وتلك الآيتين تخبران أن القرآن أُنزِل على قلبه صلى الله عليه وسلم لا على عقله، "قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" البقرة 97, وأيضا "نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين" الشعراء 193.
الفرق بين المؤمن والكافر
"وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ" الزمر45 "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيمانا" الأنفال2. والفرق واضح وجلي.

قلب المؤمن
قلب المؤمن دوما مطمئن بذكر الله, وإذا أهمته أمور عظام فإن الله يربط على قلبه حتى يطمئن... "قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" البقرة 260, وهل كان لأم موسى أن تلقي بوليدها في البحر وهي مطمئنة "لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين"القصص 10, وأهل الكهف الذين فرُّوا بدينهم وهم خائفون فطمأنهم الله "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا" الكهف14, وقال تعالى "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" الرعد 28 "أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى" الحجرات 3, أي جعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى وقال عمر رضي الله عنه: أذهب عن قلوبهم الشهوات, ومن أحبه الله حبب إليه الإيمان "ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم" الحجرات7.

قلوب أقسى من الحجارة
أما قلب الكافر فهو قاس كالحجارة أو أشد قسوة وإذا قسا القلب عصا صاحبه الله "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه"الإسراء 46, ختم الله على قلوبهم" البقرة 7, و "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" البقرة74, وتوعدهم الله "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله",وقال تعالى "فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُون"النحل 22 , قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون"الأنعام 43.
أما اليهود والمنافقون فلا يتسع المجال للحديث عن كم الآيات التي تتحدث عن أمراض قلوبهم من وسوسة ونفاق وشك وغلق وفتنة وزيغ وعمى وغفلة وغلظة وغيرها...

القلب في التشريع
"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" البقرة 225, لا يعاقبكم الله بسبب أيمانكم التي تحلفونها بغير قصد, ولكن يعاقبكم بما قصدَته قلوبكم, وقال تعالى "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه"البقرة 283 وهذا نهي تحريم وخص القلب بالذكر لأنه محل الشهادة ولأنه إذا أثم تبعه غيره فيعاقب عليه, والكتم من معاصي القلب لأن الشهادة  علم قائم بالقلب فلذلك علق الإثم به.
وقال تعالى في حفصة وعائشة رضي الله عنهما "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" أي مالت قلوبكما إلى أمر تعلمان أنه صلى الله عليه وسلم يكرهه سواء أنه تحريم شرب العسل الذي كانت تسقيه إياه إحدى نسائه أو أنه تحريمه جاريته ماريه, فقوله "صغت" أي مالت يدل على أن الإدراك وقصد الميل محله القلب.

يوم القيامة
ويوم القيامة لن يدخل الجنة إلا من كان في قلبه خشية لله "يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَليم" الشعراء 88-89, وقال تعالى"إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" الصافات84, وأيضا "مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ" ق 33. أما من كان قلبه غافلا فيأتي يوم القيامة وقلبه منخلعا من شدة الهلع "إذ القلوب لدى الحناجر" غافر 18, "قلوب يومئذ واجفة" النازعات8 .

أدعية من القرآن والسنة
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" آل عمران 8,
"ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم" الحشر 10.
وقال صلى الله عليه وسلـم "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" وأيضا "قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن".

هناك تعليق واحد:

  1. انه تقرير وبحث رائع من واقع الحياه نص عليه بالقران الكريم والله يكرمك ويزيد من اعمالك القيمه

    ردحذف