الأربعاء، 20 فبراير 2013

آخر حوارات الدكتور عبد الصبور شاهين


آخر حوارات المفكر الكبير د. عبد الصبور 

شاهين الدكتور عبد الصبور شاهين
رجل من الزمن الجميل

                                                   
دكتور عبد الصبور شاهين في مكتبه بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة

 حاورته: سوسن سحاب

صعدت على المنبر في الثانية الإبتدائية
سيظل باب الاجتهاد مفتوحا ومشرعا
لا بد من تحفيظ القرآن الكريم للأطفال للإرتقاء باللغة العربية





هو رجل من الزمن الجميل, عندما تسمعه يتحدث بالفصحى, تشعر ببساطة هذه اللغة, وتتمنى ألا يُنهي حديثه, حتى تنهل من نهر ثقافته, وتستمع ببلاغته, وعذوبة بيانه.
إنه المفكر الإسلامي,والداعية الكبير, الأستاذ الدكتور عبد الصبور شاهين, من أشهر الدعاة بمصر والعالم الإسلامي, وهو أستاذ متفرغ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة.
وكان خطيبا لمسجد عمرو بن العاص, أكبر وأقدم مساجد مصر, وعمره أقل من ستة عشر عاما.
له حوالي 100 كتابا ما بين مؤلفات وتراجم، أكبرها مفصل لآيات القرآن في عشرة مجلدات، وأحدثها كتاب (أبي آدم), الذي أثار جدلا واسعا في الشارع المصري والعربي, لم يثره كتابا من قبل, وهو أول من اشترك مع زوجته في التأليف, إذ أخرجا معا موسوعة "أمهات المؤمنين" و"صحابيات حول الرسول" في مجلدين.
وفي مكتبه بأعرق الكليات المصرية-كلية دار العلوم- كان لنا هذا الحوار.


س- متى صعدت المنبر لأول مرة, وكيف كان استقبال المصلين لك؟
صعدت على المنبر في الأزهر في الثانية الإبتدائية ومازلت حتى الآن, ولو قلت لك إنهم استقبلوني بقبلات على كتفي, وعلى كفي ومازلت غارقا في هذه القبلات, وبعد مرور أكثر من ستين عاما في الخطابة على المنبر -على التجربة الأولى-  في أثناء ذلك ارتبطت بتفسير القرآن على المنبر, وقد انتهيت والحمد لله من أكثر من عشرين جزءا من التفسير على المنبر, وقد أصدر بعض الناشرين أجزاءا من التفسير, والعمل مستمر لاستكمال المشروع بإذن الله.

س- يقال أن باب الإجتهاد أغلق في القرن الرابع الهجري, والآن يُهاجَم كل عالم يجتهد, فلماذا هذا الهجوم على الإسلام, وقد حثنا الإسلام على إعمال العقل؟
المجتهد يُهاجَم من العجزة الذين لا يستطيعون الاجتهاد, وسيظل باب الاجتهاد مفتوحا ومشرعا, إلى يوم يبعثون, ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر.

س- هل هناك ضرورة لتعدد القراءات للقرآن الكريم, ولماذا لا تعتمد طريقة واحدة؟
التعدد دليل على تعدد مصادر القراءات, وهي ضرورة لتعدد العلماء ومصادر الأخذ عنهم, وقد استفضت في هذا الأمر في كتابي (تاريخ القرآن), ويعتبر كتاب وحيد في هذا المجال.

س- لقى كتابكم (أبي آدم) هجوما شديدا, فهل كان هذا الهجوم في مصلحة الكتاب أم ضده؟
الهجوم لصالح الكتاب, ولو لم يلتفت أحد للكتاب لمات, ويختلف الناس بين مؤيد ومعارض, ولكلٍ هدف, وتتطاحن الأهداف, ولكني أعتقد أن كتاب (أبي آدم) سيبقى مدة طويلة إن شاء الله, وخصوصا البحث الذي سيتضمنه الطبعة الجديدة, (أبي آدم بين القدامى والمحدثين) , فقد تحمست للكتابة من بعد قراءة آراء المحدثين.

لماذا أثار كتاب  أبي آدم كل هذه الضجة؟
القضية في كتاب ( أبي آدم قصة الخليقة بين الأسطورة والحقيقة ) , عمرها ثمانية أعوام , أثار الكتاب مجموعة من المشكلات منها ما ذهب إلى القضاء ورُفضت , وكان عماد رفضها لدى القضاء بناء على تقرير مجمع البحوث الاسلامية , والكتاب لا يتكلم في أصول العقيدة وإنما هو اجتهاد , ومن حقه أن يجتهد , فجاءت الأحكام موافقة لظهور الكتاب, ثم أُثيرت هذه المسألة مؤخراً وتجدد الحديث عنها وكأن الكتاب يظهر لأول مرة.     وينبغي أن نعلم أننا نتحدث عن قضية نصفها معنا , ونصفها في غيب الله تعالى (ولا يعلم الغيب إلا الله) , (فلا يُظهر على غيبه أحدا) , والنصف الذي يهمنا أن آدم هو أول الأنبياء ,  نحن نعرفه نبياً كما قرر القرآن (إن الله اصطفى آدم ونوحاً) , وعندما يقول الله تعالى (اصطفى) يعني اختار وعندما قال تعالى (إني جاعل في الأرض خليفة) كانت إشارة إلى ما قدّر الله تعالى بمرحلة التكليف الديني بآدم , وعندما تفوق آدم على الملائكة في الحوار الذي جرى (وعلّم آدم الأسماء كلها) هنا ثبت تفوق آدم النبي على الملائكة (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم) وقد نختلف في أن هناك مفردات مشتبهة (وأُخَر متشابهات) هذا المتشابه يجتهد العلماء في فهمه (والراسخون في العلم يقولون آمنا به).

س-هناك من يقول أن هذه القصة اختلطت فيها الحقائق بالأساطير؟
هذا صحيح, وأرجو لمن يقرأ كتابي أن يأخذه على أنه تجربة جديدة, لمحاولة فهم قصة اختلطت فيها الحقائق والأساطير, والكثير من التفاسير القديمة, مختلط فيه الاسرائيليات بالحقائق الدينية ولا ينبغي أن نستسلم.
ولقد قمت بالاشراف على رسالة ماجستير لباحثة, عن الاسرائيليات في تفسير الطبري, وكنا نظن أنها من التفاسير, وجاءت بأصول هذه الاسرائيليات,  ثم اتصل اليهود بالباحثة ليأخذوا منها حق نشر الكتاب, وكأنهم يريدون أن يقولوا أن هذا الاسلام الذي يدّعون أنه جديد, ما فيه جديد غير ما اقتبسوه من العهد القديم, فيجب أن ندافع باجتهادنا والشرط ان  نسكت ونُمسِك عن الكلام ,لأن القدماء والسلف قالوا,وهناك بعض العقول المتجمدة التي لا تريد أن تتزحزح, مع العلم أن زحزحتها تفيد في تنوير الفكر الاسلامي, ونحن جميعاً نجتهد , والرسول صلى الله عليه وسلم,قال:(من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد).

هل كان هناك ضرورة لطبعة جديدة من هذا الكتاب (تاريخ القرآن) ؟
خرجت هذه الطبعةُ من تاريخ القرآن والجوُّ مشحونٌ بالكثير من الكتابات العدوانية التي تستهدف القرآن، شكلاً ومضموناً، ففي الساحة الثقافية أدعياءُ كثيرون, يخوضون في علوم القرآن بغير علمٍ ولا هدى ولا كتابٍ منير، وقد أشعلوا فتنةً علمانيةً يريدون بها أن يطفئوا نور الله بأفواههم، ويأبى اللهُ إلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ، ولو كره الكافرون، أو المشركون، أو العلمانيون.
وأخطر ما في هذا الموقف, أنَّ هؤلاء الأدعياء الخائضين في آيات الله، وفي تاريخ القرآن، وفي موضوعات الفكر الإسلامي يَحرصون – كلما حوصروا – على تأكيد أَنَّهم مناصرون للإسلام، وأَنَّهم أعمقُ إيماناً من دعاته، وأَنَّ العلمانيةَ هي جوهرُ الدين، رغم أن حقائق الثقافة المعاصرة تؤكد أَنَّهم دعاةُ إلحادٍ، وأَنَّ شرط العلمانيةِ أن يَخرجوا من العقيدة، ولا بأسَ عليهم أن يتظاهروا بها خِداعاً وكذباً ونفاقاً.


لماذا غابت اللغة العربية عن مجتمعنا, وحلت محلها لغات أجنبية للتعامل اليومي, وحتى للافتات المحال والمطاعم؟
‏ بداية يجب أن نقر بأن اللغة العربية, أصبحت بوضعها الراهن حالة عقائدية وتاريخية وسياسية, فهي عقائدية بارتباطها بالقرآن‏,‏ وهي تاريخية بمقاومتها لعوامل التغيير, وثباتها في مواجهة رياح التعرية‏,‏ وهي سياسية بما تحرك من قوي معادية, تريد القضاء عليها, باعتبارها أعظم مقومات بقاء هذه الأمة العربية المسلمة‏.‏ فإذا وضعنا في الاعتبار ذلك, في ضوء الزحف علي مجتمعنا من خلال المؤسسات التربوية الاستثمارية, في شكل‏(‏ مدارس اللغات‏),‏ وهي حركة تغريبية خطيرة, تبعد أبناء اللغة عن لغتهم الام‏, ففقدوا لسانهم العربي, واستبدلوا به الإنجليزية والفرنسية وغيرهما‏.‏
حتي إن الطفل في سنواته الأولي, صار يتلقي تعليمه الاساسي بالإنجليزية والفرنسية أو الألمانية, ومن المؤكد أن هذا الاتجاه التغريبي, لن يؤدي إلي تقدم نوعي في مجال التربية, بل سيؤدي إلي تشتيت قوي الطفل العربي‏.‏

وما السبيل للإرتقاء باللغة العربية للطفل العربي؟
لابد من العودة إلي حفظ القرآن الكريم‏,‏ وتحفيظه للأطفال في بداية حياتهم التعليمية‏, وقد يكون من الضروري التخفف من الجرعات التعليمية باللغات الأجنبية‏,‏ ونحن لا ننكر أهمية تعلم اللغات الأجنبية‏,‏ ففي وسع أي متعلم أن يلم بالقدر الكافي من‏(‏ الإنجليزية مثلا‏)‏ للتعامل مع الوسائل التقنية‏.‏

هل يساعد الإعلام على النهوض باللغة العربية الفصحى؟
للأسف لا تلتزم كل الفضائيات بالفصحى, لذا أناشد الجهات الإعلامية الالتزام بالعربية الفصحي في الخطاب الإعلامي‏,‏ والذي يساعد علي نهوض اللغة الفصحي لتكون أداة ربط بين الشعوب الإسلامية بعامة والعربية بخاصة‏,‏ ومن ثم يتعين أن تسود اللغة الفصحي كل النشرات والمسلسلات والبرامج الخطابية لكي تتسع قدرة المواطن العادي لتلقي الرسالة الإعلامية‏.‏ باختصار‏...‏ يجب ألا يعمل في الإعلام أو التعليم إلا من يجيد اللغة العربية الفصحي.

س اقتحمت المرأة كل المجالات الآن واستطاعت فتح كل الأبواب المغلقة, فهل استطاعت أيضا أن تكون ندا للرجل في مجال الدعوة؟
لا بد في مجال المرأة من وجود داعيات للخير وهو أمر طبيعي لا غرابة فيه, وليس من حق أي رجل مصادرة رأي المرأة, وهناك الكثير من الداعيات من جامعة الأزهر, وهن في غاية التوفيق وقمة الإحسان.

وما رأيك في ما يسمى بظاهرة الدعاة الجدد؟
هؤلاء الدعاة هم محاولة جادة لتجديد العمل الدعوي, وهم مستقبل الدعوة الإسلامية رغم وجود أعداءها .
وعلى هؤلاء الدعاة الجدد ألا يبالوا بمن ينتقدهم أو يهاجمهم, لأن هذا أمر طبيعي, لأن أعداء الدعوة لا يشعرون بوجودهم إلا بما يصدر عنهم من صراخ في وجه الإسلام.


س- وأخيرا ما أحب الأماكن إلى قلبك؟
صحبة زوجتي في أي مكان تكون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق