يحيي (دونـالد) فـلود
" أخي لا تمت إلا
مسلماً "
نشأ دونالد فلود في عائلة أمريكية تحترم حرية الرأي
والتعبير عن النفس وتتسم بالتحرر من كل القيود وخاصة فيما يتعلق باختيار الاعتقاد
الديني. وكان فلود يعشق السفر والتنقل من مكان إلى آخر مما أتاح له التعرف على
ثقافات مغايرة للثقافة الأمريكية، وبدأ في مراجعة تصوراته الدينية وخاصة عن الكون
والخالق, وبدأت تتكون لديه قناعات بأن هذا الكون لم يوجد عن طريق الصدفة وهناك
الكثير من الدلائل علـى وجود قوة خفية منظمة لهذا الكون، و لكنه لم يكن يعرف كيفية
الوصول إلى الحقيقة.
وكانت عودته إلى الجامعة هي نقطة التحول في حياته !!!!
فقد شاء الله أن
يتعرف على صديق مسلم سعودي الجنسية قد جاء للدراسة في أمريكا فتعرف على الإسلام عن
طريق ارتباطه بهذا الصديق السعودي"أبو حسين".
وبعد رحلته الطويلة في بحثه عن الحقيقة....دخل الإسلام وأدرك
بعد إسلامه أهمية اكتساب العلوم الشرعية وكيفية تطبيقها في الحياة اليومية، وفرح
كثيرا عندما علم أن من مرونة وتسامح الدين الإسلامي هو أنه يَجُبّ ما قبله فلا
يكون الشخص مسئولاً عن جهله السابق بالإسلام. وشعر أنه كان محظوظا للغاية بوجوده
في بلد إسلامي وقت دخوله في الإسلام، لوجود الكثير من العلماء المسلمين والمصادر
الإسلامية المتنوعة,ومما سهل عليه فهم الإسلام واستيعابه هو التطبيق المباشر
لتعاليم الدين الإسلامي في الحياة اليومية.
ويقيم " يحي فلود " حالياً بالمدينة المنورة
حيث يعمل أستاذاً للغة الإنجليزية في كلية التربية بجامعة الملك عبد العزيز في المدينة
المنورة، وهو يحب إقامة حوارٍ بنّاء مع غير المسلمين ليشاركهم خبراته في الحياة....
ونسأل الله سبحانه
وتعالى أن يجزيه أعظم الثواب والأجر على ما يبذله من جهود مخلصة في سبيل خدمة
الإسلام والمسلمين.
وسألته.....
س كيف كانت البداية؟؟
كانت البداية في دعوة من صديق هندوسي, تلقيتها أنا
وصديقي أبو حسين لحضور حفل عشاء بإحدى الكنائس, وبدأ رئيس الكنيسة بغناء الأهازيج
النصرانية باللغة العبرية وطلب منا ترديد هذه الأغاني المكتوبة على لوح، ففوجئت بأبو
حسين ينهض على الفور فغادرت المكان معه على وجه السرعة بدون معرفة السبب, ولم
أسأله ما السبب!!!
ولماذا لم تتخل عن صديقك الذي وضعك في حرج
أمام مجتمعك الأمريكي؟
لا أدري, ولا أعرف لماذا تبعته وتركت صديقنا الثالث
مندهشا لخروجنا المفاجيء, ولكني بعد ذلك سعيت لتوطيد ارتباطي بأبي حسين, وقررنا
استئجار شقة للسكن مع صديقين كويتي وإيراني.
كويتي وإيراني وسعودي؟؟ لا أستطيع اخفاء
دهشتي من سعيك للسكنى مع ثلاث شخصيات مسلمة
نعم, ولقد اندهش كل من سمع ذلك
الخبر ايضا, ولكن في سعيي للبحث عن الحقيقة...آثرت الاقتراب من عادات وطبائع شعوب شرقية إسلامية.
ولكن هناك الكثير من العادات المختلفة بينك
وبينهم, لاختلاف الثقافات, والعادات الغذائية وغيرها....
نعم. لم أتوقع أن أجد تلك الاختلافات الكبيرة, ولكنها
اختلافات أدهشتني !!! خاصة اختلاف العادات الغذائية بيننا, ونوعية الأكلات وأكثر
ما لفت انتباهي هو حـُسن الضيافة الرائع الذي يظهرونه لزائريهم, وأكثر ما أدهشني
هو إيمانهم اليقيني الذي اعتقدت في البداية أنه مظهر من مظاهر الثقافة لديهم,
ولكني لاحقا علمت إنه من تعاليم الدين.
ولكنك ذكرت أنك ذهبت إلى المملكة العربية
السعودية, فما سبب الزيارة؟
بعد التخرج من
الجامعة وعودة الجميع إلى بلدانهم جاءتني دعوة من صديقي السعودي أبو حسين لزيارة
السعودية لمدة أسبوعين, والقيام برحلات سفاري في صحراء المملكة...فوافقت على الفور.
وكيف كانت تجربتك في المملكة العربية
السعودية؟
كانت تجربة رائعة, فقد استقبلوني بحفاوة بالغة كأني أمير
أو سفير لدولتي, وقضيت أياما لا تنسى في منطقة صحراوية خارج الرياض, وكان صديقي
يذبح الخراف ويدعو فقراء المنطقة ليشاركوهم طعامهم. واستمتعت بأكلات ذقتها لأول
مرة وكذلك حليب الناقة.
حليب الناقة؟؟ أنا شخصيا قضيت الكثير من وقتي
في الخليج ولم أتذوق حليب النوق!!
أتذكر عندما أبديت إعجابي بهذا الحليب, قال لي والد
صديقي حسين: "إذا دخلت في دين الإسلام سوف أعطيك عشرة جمال", فقلت له مازحا: "وأنت لو أصبحت نصرانياً
سوف أقدم لك كذلك عشرة جمال". ثم عدت إلى أمريكا بعد تجربة لا تنسى.
وهل عدت ثانية أم انقطعت علاقتك بصديقك؟؟
لم تنقطع علاقتي بصديقي, ولكن أتيحت لي فرصة السفر للخليج
العربي مرة أخرى لتدريس اللغة الإنجليزية في مدينة أبوظبي في الإمارات العربية
المتحدة، ومكثت فترة تعرفت خلالها على المزيد من الثقافة العربية, وزاد إعجابي
بكرم وضيافة الشعوب العربية وما يتمّيزون به من
حُسن خلق وثقة في الله.
وهل استقر بك المقام في أبو ظبي؟؟
لا...فبعد عامين أخذني الحنين لوطني وأهلي وانتقلت إلى
مدينة "لاس فيجاس" مدينة القمار...ووقعت في بعض الذنوب والمعاصي التي أندم
عليها كثيراً الآن.
ولكن ألم تشعر برغبة في الإقلاع عن تلك
المعاصي؟؟
كان داخلي قوة تمنعني عن المضي في هذا الطريق, وبعد وقفة
مع النفس - عرفت فيما بعد أنها النفس اللوامة – وجدت نفسي أحن إلى أيامي في الشرق
حيث الفطرة السليمة, فأرسلت أوراقي الخاصة وسيرتي الذاتية لصديقي أبو حسين للبحث
عن عمل في السعودية, فوجد لي عملا في شركة بتروكيماويات بمدينة الجبيل الصناعية في
شرق السعودية.
"أخي لا تمت إلا مسلما"
وعــدت إلى المملكة العربية السعودية مرة
أخري؟؟ فما الجديد هذه المرة؟؟
نعم عدت...وتأقلمت سريعا مع المجتمع هناك, وكانت نقطة
التحول الحقيقية في حياتي عندما دُعيت إلى حفل عشاء مع بعض المسلمين وحدثتهم عن
حياتي في مدينة لاس فيجاس قبل حضوري إلى السعودية, و فجأة قال لي أحد الحضور جملة
كانت السبب في تغييري من النقيض إلى النقيض.
من هذا الرجل؟؟ وماذا قال؟؟
كان أمريكياً مسلما يعمل في السعودية وقال لي: "
أخي تأكد تماماً بأن لا تموت إلا مسلماً".
ماذا يقصد بهذه الجملة؟؟ ولماذا قالها لك أنت
بالذات؟
لم أفهم قصد هذا
الرجل, فطلبت منه إيضاح قصده من هذا الكلام، فحدثني الرجل بالطريقة التي أفهمها
جيدا- طريقة لاس فيجاس- وقال: "لو مت على غير الإسلام فكأنك تغامر باستخدام
فرصة واحدة فقط للفوز في لعبة الروليت - لعبة قمار أمريكية مشهورة- معتقداً أن
حياتك كلها وجميع معتقاداتك وأفعالك في الدنيا ربما بضربة حظ تشملك رحمة الله وتدخل
الجنة. ولكن إذا مت على دين الإسلام فأنت
كالذي يستخدم كل الفرص المتاحة في هذه اللعبة وأي فرصة منهم ستكسب حتماً وبذلك
ستفوز وتنجو من العذاب وعليه ستكون فرصتك في دخول الجنة كبيرةً جداً، أي وباختصار
فالموت على دين الاسلام هو الضمان الأكبر للنجاة من النار ودخول الجنة."
وماذا قلت له؟؟
لم أتكلم, بل كأني أصابني الخرس التام!! واستعدت كلامه
كله وهذا القياس العجيب بين الدخول في دين الإسلام والموت عليه وبين ضمان الكسب في
لعبة الروليت, وقررت أن أبحث عن الحقيقة بدلاً من الاتباع الأعمى لدين آبائي.
وكيف كانت أول خطوة على طريق الحقيقة؟؟
بدأت بسماع محاضرات عن الإسلام، وأصابتني دهشة عظيمة
عندما علمت أن الدين الإسلامي يدعو للإيمان بجميع أنبياء الله و بجميع الرسالات السماوية
كما أنزلها الله تعالى وعلمت كذلك ولأول مرة أن القرآن هو آخر الكتب السماوية التي
أنزلها الله وأن سيدنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الرسل من عند
الله .
وهل اكتفيت بسماع الخطب الدينية فقط؟؟
لا, كنت أحاول معرفة كل شيء عن الإسلام, وفي خطوة كانت
جريئة ولها تأثير السحر, فقد دعاني بعض أصدقائي السعوديين إلى أحد المساجد لأشاهد
كيف يصلي المسلمون، ودعوني أيضا للصلاة معهم ولطلب الهداية والمغفرة من الله تعالى
- رغم أني لم أكن مسلماً بعد- وبعد تجربة
الصلاة مع المسلمين شعرت بارتياح كبير وإحساسٍ جميلٍ بالقناعة والرضا لم أشعر به
من قبل، ومنذ ذلك الوقت قررت أن لا أُفوت أي فرصة لأداء الصلاة معهم رغم عدم دخولي
في الدين الاسلامي بعد, وعدم معرفتي بكيفية الصلاة على الوجه الصحيح .
لا أستطيع إخفاء دهشتي من هذه الخطوة الجريئة
جدا....ولكن ما الذي يمنعك من دخول الإسلام حتى الآن؟؟
كان أكبر ما يعيقني عن دخول الإسلام هو عدم استعدادي
لتقديم تنازلات بعد اعتناقي الدين
الاسلامي، كخسارة أصدقاء الطفولة وأفراد عائلتي وتغيير نمط حياتي بكاملها بما فيها
من بعض الممارسات الخاطئة.
وإلى متى بقيت في هذا التردد ؟؟
تحدثت مع صديق أمريكي عما أعاني من تناقضات بين تردد
وخوف يبعدني عن هذا الدين, وبين شيء ما يدفعني دفعا نحوه.
وبماذا نصحك ؟؟
أخرجني صديقي من الحيرة وأعطاني شريط فيديو بالإنجليزية وكان
عنوانه: "ما الهدف من الحياة؟ ماذا
تعرف عن الإسلام؟" وأول ما دار في
خلدي حين قرأت هذا العنوان هو الإجابة عن هذا السؤال المحير جدا: ما هو الهدف من
الحياة؟ - والذي ظننت أني لن أجد له إجابة أبدا.
وهل وجدت إجابة لسؤالك؟؟
المفاجأة أني وجدت الإجابة في هذا الشريط. وكانت اجابة
مختصرة بسيطة, وليست كما تخيلتها ستكون معقدة وغامضة....وعرفت أن الهدف من الحياة
في الإسلام وبكل بساطة هو التسليم الكامل لله الخالق الواحد، ويا للمفاجأة !!!!
وتفاجأت أيضا عندما علمت أن هذا الدين ليس بجديد على
الإطلاق وأنه ثالث الأديان السماوية التي تدعو إلى التوحيد، بل أن الإسلام كان دعوة
جميع الرسل السابقين، واكتشفت الحقيقة التي لا يعرفها الكثير من غير المسلمين...بل
ومن المسلمين أيضا وهو أن الإسلام هو دين كل الأنبياء والرسل من آدم ونوح وإبراهيم
حتى موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم جميعا.
نعم هذا صحيح وأنت محق, هناك الكثير من
المسلمين يجهلون هذه المعلومة.....ولكن ماذا فعلت بعد ذلك؟؟
غمرني شعور عظيم أن الإسلام هو الدين الحق, وأخبرت أبو حسين
برغبتي بدخول الإسلام، فنصحني بعدم التسرع
والإطلاع على المزيد من المعلومات حول الإسلام قبل الدخول فيه، فأخبرته أني قد
أخذت وقتي في التردد مدة طويلة وقد حزمت أمري الآن, فطلب أبو حسين مني التلفظ
بالشهادتين ثم أعلن للجميع دخولي في الإسلام وسط جو من البهجة والسعادة.
وما قصة الاسم الجديد ؟؟
في أول صلاة جمعة لي – كمسلم - اقترح أبو حسين أن أعلن إسلامي
أمام جموع المصلين في المسجد، وسألني الإمام قبل تقديمه لي للمصلين كمسلم جديد هل
اخترت اسما جديدا؟، فقلت له: "لا أعرف, قدمني باسمي الأمريكي" وكان أبو
حسين بجانبي يتلو سورة مريم ووصل إلى كلمة يحيي فوكزني وقال لي بهدوء: ما رأيك في
هذا الاسم؟ فسألته: ماذا يعني؟ فقال: John the Baptistأي يحيي المعمدان أي "يعيش" ، فأعجبني الاسم
لأني فهمت معناه في لغة الإنجيل وكذلك أعجبني معناه بالعربية, حيث أني بدخولي الإسلام
قد بدأت أحيا حياة جديدة، وبعد انتهاء الصلاة أعلن الإمام دخولي في الإسلام ودعاني
إلى ترديد الشهادتين أمام جموع المصلين الغفيرة الذين قاموا على الفور بتهنئتي
ومعانقتي.
وماذا كان رد فعل عائلتك؟؟
كان التعامل بيني و بين أهلي يقوم على أساس من التقدير والاحترام
المتبادل, لذا إنصدموا في البداية من خبر إسلامي, ولكن بعد أن وجدوني سعيدا
ومرتاحا لحياتي الجديدة قالوا: "إذا كان هذا الاختيار سيكون سببا لسعادتك،
فسنكون نحن سعداء أيضاً بالتأكيد".
وماذا عن زوجتك..هل هي مسلمة أيضا ؟؟
بعدما ذقت حلاوة الإيمان تمنيت أن أتزوج حتى أنجب أبناءً
ينعمون بالإيمان,وفكرت أن أعظم هدية يقدمها الأب لأبناءه هي اللغة العربية - لغة
القرآن- فقررت الزواج من فتاة عربية. و فعلاً تزوجت من فتاة سورية وأنعم الله علينا
بأبناء يجيدون اللغة العربية.
وكيف استقبل المحيطين بك هذا الزواج؟
بطبيعة الحال فقد هنأني أصدقائي العرب وفرحوا لزواجي من
فتاة عربية, وفي نفس الوقت كان زواجي هذا مثار سخرية بعض أصدقائي الأمريكيين غير
المسلمين والذين لم يتقبلوا زواجي من فتاة لا تربطني بها علاقة أو معرفة سابقة، فأوضحت لهم قدسية الزواج من
المنظور الإسلامي وأن الزواج أمر مقدر من عند الله".
وما أهم شيء حدث لك بعد دخولك في الإسلام ؟؟
كانت أكبر نعمة أنعم الله بها علي بعد إسلامي, هو دخول
والدتي في الدين الإسلامي...
هذه مفاجأة...كيف حدث هذا ؟
في أحد الأيام اتصلت بي أختي من أمريكا لتخبرني بمرض
والدتي الخطير، فأسرعت بالسفر إلى أمريكا أنا وزوجتي للإطمئنان على صحة والدتي، و
أثناء وجودي إلى جانب والدتي سألتها: "هل تؤمنين بإله واحد يا أمي؟"
فقالت: "نعم" فطلبت منها أن تردد "لا إله إلا الله" فقامت
بترديدها ثلاث مرات بالعربية والإنجليزية أيضا، ثم سألتها: "هل تؤمنين بجميع
الأنبياء مثل آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد؟" فقالت: نعم، فطلبت منها
ترديد الشهادتين "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله" فقامت
بذلك باللغتين العربية والإنجليزية.
وبالطبع عدت إلى السعودية في منتهى السعادة
بسبب إسلام والدتك؟
في منتهى السعادة ومنتهى الحزن....
لا أفهم لماذا منتهى الحزن؟؟
لأن والدتي قد ماتت بعد خمسة أيام فقط من دخولها في
الإسلام ونطقها الشهادتين، ولكني أحمد الله سبحانه وتعالى كثيراً على هذه النعمة
باهتداء والدتي إلى الصراط المستقيم في
آخر حياتها...رحمها الله رحمةً واسعةً.
آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق