الثلاثاء، 5 أبريل 2016

أنا من القاهرة 15- ميدان فيكتوريا


أنا من القـــاهــــرة
15-  ميدان فيكتوريا


 
لم أذكر من قبل أن مسقط رأسي هو حي شبرا العريق، فقد انتقل أهلي من حي العباسية وبالتحديد شارع العباسية الرئيسي أمام سينما سهير، إلى حي شبرا الذي كان يشتهر بحدائقه الغناء الكثيرة.
ولكنهم لم يستغنوا عن بيت العباسية حتى يومنا هذا...
وانتقلت مع أمي صديقتها المقربة (اسمها طنط صدفة) وكانت يوميا تقضي ساعة العصاري مع أمي لشرب القهوة ، التي تشتريها أمي خضراء ثم تحمصها وتطحنها في المطحنة اليدوية، ثم يجلسان وأمامها عدة القهوة السبرتاية النحاس والكنكة وفناجين القهوة.
وقد ولد كل اخوتي في حي العباسية، ما عدا أنا ومحمد أخي الذي يكبرني بعامين ولدنا في شبرا.
وبالتحديد في (ميدان فيكتوريا) ، ويقال أن سبب تسمية الميدان بهذا الاسم، لأنه كان يوجد أرض الجميلة فيكتوريا الفرنسية وكانت خليلة (صديقة) أمير الجيوش خمارويه بن أحمد بن طولون.

مطحنة البن اليدوية



كنت طفلة شقية جدا كشقاوة الأولاد، لكن هذا لا يمنع من الحياء الأنثوي خاصة عندما ألمح عيون المعجبين بي في تلك السن الصغيرة، وكنت أخفي سعادتي عندما أرى الأولاد يتخانقون من أجلي ( خبث ودلال أنثوي مهما كبر سن البنت أو صغر).

قضيت دراستي الابتدائية في مدرسة الزهراء، وكانت يكثر بها نوع من الأشجار كنا نسميه ورق النجاح ، كانت الورقة على شكل قلب كبير ولها وجه أخضر والوجه الآخر فضي اللون كنا نكتب عليه أسامينا ونحتفظ به بين كتبنا.....

وعندما كنت في الصف الرابع أو الخامس لاحظت أن الكثير من زميلاتي تأتي المدرسة بخطوات مثقلة متألمة، وتضع على إحدى ذراعيها شريطا أسودا معقود به سرة سوداء صغيرة !!!
كان الأمر يتكرر كل أسبوع تقريبا بفوج جديد من البنات، ولا تستطيع أي واحدة الاجابة عندما يسألها أحد ما هذا الشريط؟ لماذا تتألمين؟؟
فقط تنظر للأرض في حياء ولا تنطق.

أصبح الموضوع كأنه موسم والدور قادم لكل فتاة لا محالة، وكانت الأسر الواعية المثقفة تأخذ بناتها لأي طبيب وكان أشهرهم دكتور مرزوق في ميدان فيكتوريا فوق الصيدلية، أما الأسر الأقل وعيا وثقافة فكان يحضرون للبنت إمرأة في البيت تسمى ( الداية ) وقد راحت ضحية الداية الكثير من البنات في مصر.

وصدمت أول صدمة في حياتي عندما علمت بوفاة أحب صديقاتي وجارتي بطة على يد إحدى الدايات عندما تركتها تنزف حتى الموت !!!!
كل تلك الذكريات المؤلمة وضعت حاجزا نفسيا وخوفا هيستيريا بيني وبين ختان الإناث .

ميدان فيكتوريا




وبعد عدة حوادث جهل قاتلة راحت ضحيتها فتيات في عمر الزهور،أخيرا....ولله الحمد جرَّمت وزارة الصحة ختان الإناث.
وكذلك فقد جعلت الأمم المتحدة يوم 6 فبراير من كل عام يوما لتعريف العالم بمخاطر الختان وضرره على صحة المرأة بدنيا ونفسيا.

كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختن بناته ولم يأمر بختان النساء، فضلا عن أن كل الأحاديث المذكورة في الختان هي أحاديث ضعيفة أو منكرة، لأن في الأساس الختان عادة فرعونية ليس لها دخل بالإسلام.

وبعد خمس سنوات من اللعب والموسيقى وبعض المذاكرة  في المدرسة الابتدائية أنهيت دراستي، لأنني ذاكرت وامتحنت الصف الخامس والسادس في سنة واحدة......

وانتقلت بعد ذلك إلى مرحلة أخرى غنية بالشخصيات والحكايات المشوقة .....

سوسن سحاب
5 إبريل 2016