الاثنين، 19 مايو 2014

الرجولة والذكورة


الرُجُولَة والذُكُورَة


بداية ، كلمة (رَجُل) لا علاقة لها بنوع الإنسان ، ذكراً كان أو أنثى ، وإنما علاقتها بالمبادىء و المواقف والقِيَم . بينما كلمة (ذَكَر) تدل على الوظيفة الجنسية التي يقوم بها الكائن الحي من أجل البقاء ، فهي تسميةُ نَوع ووظيفة فقط لا قِيَم ومبادىء . أما الإنسان صاحب المباديء ( ذكراً كان أو أنثى) فهو (رَجُل) ، فالأنثى صاحبة المواقف والقيم يقال لها في لسان العرب (رَجُلة) .
معاني كلمة (رَجُل) في القرآن الكريم :- 
- - أتت كلمة (رَجُل) بمعنى الذكور البالغين العاملين كما في قوله تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ) الأحزاب40 ، وقوله تعالى (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء) الأعراف81 ، فلو كان القصد إتيان الذكور فقط لأتت كلمة (ذكور) أو الأولاد الذكور، ولكن كلمة (رجال) أفادت الذكور البالغين .
- أتت كلمة (رجل) تشمل الجنسين الذكور والإناث البالغين ، كما في قوله تعالى : (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) الأحزاب4 ، وقوله تعالى ( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ }التوبة108 ، وقوله تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ) الجن6 .
- أتت كلمة (رجل) بمعنى التَرجُل ، كما في قوله تعالى (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً ) الحج27 ، وقوله (فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً ) البقرة239
فكلمة (رجل) لها ثلاث دلالات :
1- الدلالة على الذكور البالغين.
2- الدلالة على الجنسين (الذكور والإناث) البالغين.
3- الدلالة على الترجل للذَكر والأنثى .
سمات الرجولة :-
- الرجولة مواقف ومباديء ، يقول تعالى (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) غافر28 ، ويقول تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)الأحزاب28 ، وقوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ * رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزّكَـاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ) النور 37 ، وقوله تعالى (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) يس20 ، وقوله تعالى (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) القصص20 ، (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) هود78 
- الصدق مع الله تعالى ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ الأحزاب 23
- الرجولة رحمة وتسامح (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) فالدرجة هنا هي درجة الرحمة والتسامح والصفح والفضل والحزم معاً ، في حال الرد بعد الطلاق حيث يمكن أن يتعنت الرجل ويستبد ، لذا من الواجب أن يتحلى بهذه الدرجة من الأخلاقيات في التعامل مع زوجته .
- الرجولة طهارة من النجاسات الحسية والمعنوية ، صفاء في المعاملات والمعاشرات ، يقول تعالى: ( لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) .
- الرجولة صدق ووفاء وثبات على الحق مع الرب والعبد ، يقول تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ، وقوله تعالى ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ النور: 37 .
- الرجولة تولى أمر الأهل والقيام على نفقاتهم ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ النساء: 34. ولا يضع مفهوم القوامة في الإسلام المرأة في مركز أدنى من مركز الرجل ولكن المسألة مسألة توزيع أدوار ومهمات داخل الأسرة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( والرجل راعٍ على أهل بيته ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عن رعيتها)
- الرجولة هى الصفح عند المقدرة ، ونسيان الأذى الذي يلاقيه الإنسان من إخوانه في بعض الظروف (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) .
- الرجولة ترك ما تهوى لما تخشى ، أي كبح جماح النفس خوفاً من الله تعالى .
- الرجولة اتباع السُنة النبوية المطهرة ، حديث (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئتُ به)
- الرجولة فضيلة تأتيها ولا ترى نفسك فيها ، فضيلة يتصف بها المرء ويراها محض فضل من الله تعالى (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) .
- الرجولة بذل الوسع في العطاء وألا تحتجب مِمَن قصدك مهما كانت الظروف ، فـ (الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه).
- الرجولة ألا تهرب مِن السائل وطالب المعروف (وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
- الرجولة إظهار المنحة وإخفاء المحنة (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) .
- الرجولة هى الاستغناء عن الخلق بالخالق (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
- الرجولة هى إخفاء الآلام وبث الشكوى لله وحده (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ) .
- الرجولة بذل النفس في طاعة الله أمرا ونهيا (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ، أما من يبذل نفسه في عَرَض الدنيا فهو كبائع الياقوت بالحصى ، فلا مروءة لمن لا دين له ، والرجل العاقل لا يغتبط بصفة يفوقه فيها حيوان أو جماد وإنما يغتبط بتقدمه في الفضيلة التي ميزه الله تعالى بها عن الحيوان .
- الرجولة أن تُقَرِب من يُقصيك وتُكرم من يُؤذيك (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) .
- الرجولة أن ترى عيوب نفسك ولا ترى عيوب غيرك .
- الرجولة هى التعامل مع الناس بالحياء والأدب ، فالحياء شعبة من الإيمان .
- وقد تأتي الرجولة بمعني الذكورة وليس العكس ﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ .
هذه صفات الرجولة ، أما الذكورة فتدل على النوع ، تدل على جسد وبُنيان يتوفر في الإنسان والحيوان ، وتكون الذكورة في مسائل تنظيمية في الحياة كموضوع الإرث (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) .
فما أحوجَنا – الآن - إلى رجولة حقيقية وليس ذكورة نوعية ، نحتاج إلى (رَجُل ورَجُلَة) وليس وليس (ذكر) ، فليس كل ذَكر رجلا .