الخميس، 31 يوليو 2014

الممرضة المصرية



لـمــن تتـركيــنــا يـا أمـي؟
هذه قصة أخرى من قصص ناس عرفوا طريقهم الصحيح وحدثت في ريـــف مصر..... ولكن المختلف هنا أن هذه القصة لو شاهدتها في فيلم سينمائي لن تصدقها, ولكن الواقع أحيانا يكون أغرب من الخيال.
وفي قصتنا هذه سنحكي عن الأم التي أسلمت أولا في عام 1985, وبعدها بعامين أسلم ابنها وابنتها, والأم تعمل في مجال التمريض في إحدى المستشفيات, والإبن والإبنة في المدارس.
 نشأوا في أسرة نصرانية متدينة تذهب للكنيسة وتحضر قداس الأحد والجمعة بكل ما فيه من طقوس كنسية يؤديها القس باللغة القبطية التي يفهمهما القليل من الأقباط.
وكان الزوج تاجر حبوب، والزوجة تعمل في مجال التمريض، وكانت نِعم الزوجة الوفية الراعية لبيتها وأسرتها وكان الإبن عماد يحب التواجد مع والده في الدكان حتى يشاركه في البيع والشراء، وكذلك كان هناك متجر حبوب آخر تملكه عائلة الأب، الجد والجدة والأعمام والعمات، وكان لعماد مكانة مميزة عند جده وأعمامه برغم وجود أبناء عمومة آخرون.
أمي
تسلل نور الهداية في بداية الأمر إلى قلب الأم فأسلمت وأخفت إسلامها عن الجميع, وقد أحس عماد بنفور أمه من النصرانية وتعاليمها, وبدأت تمتنع عن الذهاب معهم  للكنيسة في قداس الأحد والجمعة, ولمس تقربها رويدا رويدا مما يفعله المسلمون...وفي تلك السنة وافق صيام شهر رمضان الصيام عند النصارى، حيث يفطر المسلمون عند المغرب، ويفطر النصارى عند ظهور النجوم في السماء عند اقتراب المغرب أي قبل الآذان. 
إلا أن الأم كانت تنتظر حتى تسمع الأذان!!! وفي يوم ما سألها عماد وقال لها ما هذا يا ماما؟؟!!! إني أراك لا تفطرين عند ظهور النجم في السماء مثلنا وتأكلين عند أذان المغرب كالمسلمين, وأجابته أمه يا عماد لا تشغل بالك.
دروس الشعراوي
وعلم عماد بعد ذلك أنها بسلوكها هذا تتجهُ إلى الإسلام وتميل إليه وأنها كانت تصوم رمضان ولم تكن صائمة صيام العذراء، لأن صيام العذراء كان خمسة عشر يوماً ولكنها صامت ثلاثين يوماً حتى انتهى شهر رمضان. ومما أكد له أن أمه قد أصابها شئ ما هو انتظارها لدرس الشيخ الشعراوي يوم الجمعة وجلوسها أمامه كأنها طفل صغير، والمعروف لدى النصارى أنه وقتما يكون الشعراوي في التلفاز تكون لديهم ساعة نحس ولكنها كانت تركز معه كأنها تحفظ كل كلمة يقولها، وعبثا تحاول أسرتها تغيير البرنامج ولكنها كانت تصر بأي حجة مثلا نريد أن نعرف ماذا يقول المسلمون. وكذلك إصرارها على مشاهدة برامج فقهية أخرى وكانت تركز عندما سماع الأسئلة والأجوبة بطريقة تستفز من حولها.
السر الخطير
كل هذه التغيرات الواضحة في الأم أثارت الشكوك حول نيتها في دخول الإسلام, وكان هذا في عام1985 عندما أجلست الأم ابنها الوحيد أمامها وتحدثت إليه وهي مترددة...وخائفة من شئ ما, وقالت له في لهجة متغيرة لم يسمعها من أمه قبل ذلك "أنت أبني الكبير وأول فرحتي في هذه الدنيا وأعلم أنه لا يمكن أن تفكر يوما أن تؤذي أمك ولن أجد أحداً يسترني غيرك". 
شعر عماد بالرعب يدب في قلبه لسماع هذه الكلمات, وسأل أمه بسرعة ماذا حدث وماذا سيحدث يا أمي؟؟ أريحي قلبك وأريحيني!! فسألته الأم: ماذا تفعل لو حاولوا قتلي؟! قال: قتلك!!!من سيقتلك ولماذا؟!! قالت: إخوتي، وأبوك، وأفراد العائلة كاملة. قال لها: ولماذا وهم يحبونك جميعاً؟؟ فأجابت بصوت مرتعش ودموع منهمرة: ماذا تفعل لو صرت مسلمة هل ستحاربني مثلهم؟ قال لها: الأم هي الأم ، وأنت في كل الأحوال أمي ثم تعانقا والدمع يغسل وجهيهما، وقالت: هذا سرٌ بيني وبينك.
غربة وفراق
أحس عماد بأفكار تعصف به ومشاعر تمزقه وأسئلة تحيره وهواجس تمزقه. وبعد عدة أيام..جاءت الصدمة الأولى, فقد رجع عماد من المدرسة فلم يجد أمه، ولا ملابسها، فشعر ساعتها بوحشة الفراق، وغربة البعاد، فكيف سيحتمل هذا البيت بدون أمه؟ كيف سيظلَّه سقفا لا يظلّ أمه؟؟ كيف سيصحو ولا يراها مستيقظة تعد له ولأخته الإفطار؟؟ كيف يعود ولا يجدها تنتظرهما بكل حب وحنان؟؟ هل هناك من هو أغلى على الأم من أبنائها وبيتها؟؟!! سؤال لم يعرف عماد إجابته إلا بعد ما ذاق حلاوة الإيمان.
 وجد عماد نفسه فجأة وحيدا تائها حائرا...خائفا من مجهول تخبئه له الأيام المقبلة, فرك عينيه جيدا ربما كان هذا حلما سيصحو منه!!  وهداه تفكيره ليذهب إلى أبيه، فأطلق العنان لقدميه وسابق الريح حتى وصل دكان أبيه وأخبره أنه عاد فلم يجد أمه ولا ملابسها..صدم الأب من هول المفاجأة ثم جرى مع عماد إلى المنزل, وهو يقسم له أنه لم يفعل ما يغضبها ولم يحدث بينهما أي خلاف يؤدي بها إلى ترك البيت, بحثوا عنها في كل مكان وعند كل الأقارب والمعارف حتى صديقاتها المقربات ولا فائدة...فساورهم القلق والخوف مما حدث لها وهل هي بخير أم حدث لها مكروه؟؟؟
ردود فعل غاضبة
جُنّ جنون العائلة كلها وفقدت توازنها لما علمت إنها أسلمت!!! وقد أعلنت إسلامها أمام الجهات المسؤولة ولن تعود إلى البيت أبداً، أصيبت العائلة بحالة إنفعالية وعصبية شديدة وصارت تقول في حق الإسلام والمسلمين كل ما يقال من ألفاظ السب والشتم واللعن، واعتبروها كارثة وعاراً لحق بالعائلة كلها, بل إنها لعنة وحلت عليهم جميعاً.
وكان أعظم بلاء حل على الابن وقتها أن الجميع كان يشتم ويسب أمه بأفظع الشتائم، وأخذوا يسترجعون ما كانت تفعله من صوم كالمسلمين, ومشاهدة البرامج الإسلامية وغيرها.... وكان الابن يسمع كل ذلك وأكثر ولا يستطع الرد ولا الدفاع عنها.
ورفضت الأم كل إلحاح أو استعطاف للعودة إلى أبنائها وتمسكت بدينها بعدما ذاقت حلاوة الإيمان وتركت أبنائها وديعة عند الذي لا تضيع ودائعه فهو سبحانه خير حافظ وهو أرحم الراحمين, وكانت على يقين المؤمن الصابرأن الله سيجمعها بأبنائها أحبائها عن قريب فهو القادر سبحانه على تأليف القلوب.
موقف الكنيسة
كان عماد يتردد على الكنيسة ويحضر جميع دروسها ولا سيما درس الثلاثاء الذي كان يحاضر فيه القس بنفسه محاضرة عامة تتعلق بموضوعات شتى، ويتحدث فيه بحرية ويبدي آراءه دون حسيب أو رقيب عليه في حديثه.
وخلال إحدي دروس الثلاثاء تعرض القس في حديثه إلى موضوع أم عماد لأنه كان موضوع الساعة وقتها في المجتمع المسيحي والكل يتحدث عنه في الكنيسة, فقال هذا القس: تذكرون فلانة الفلانية -وذكر اسمها- التي استسْلَمت للشيطان وأعلنت إسلامها وخانت المسيح والمسيحية وباعت أولادها وباعت نفسها للمسلمين، وتركت الطهارة وذهبت إلى(.....), وبدأ هذا الرجل يسرد أكاذيبا عن هذه الأم الطاهرة, فقال: هذه المرأة التي تركت المسيح الإله المُخَلِّص لهذا الكون أراد المسيح نفسه أن يفضحها بعد أن خانت الكنيسة وهي الآن ملقاة في السجن في قضية من قضايا الآداب !!!
بُهِت الابن وهو يسمع هذه الافتراءات على أمه  وأصابه الذهول وكادت نظرات الحاضرين أن تقتله، وقال في نفسه هل هذا معقول؟ أمي تجازف بترك دينها وترك عبادة المسيح وتتركنا أنا وأختي هنا نواجه كل هذا البلاء ولا ذنب لنا.
كذب وافتراءات
خرج عماد من الكنيسة ولا يرى غير السواد في عينيه, كارها كل شيء متمنيا الموت يأتيه ليخلصه من هذا العذاب, وسار هائما حزينا لا يعرف أين تسير قدميه وبينما هو على هذه الحال....سمع صوتا مناديا عليه "عماد" "عمدة"  فاهتزت أعماقه بشدة "هذا صوت أمي"؟؟
  ورأى أمه التي كانت تحوم حول المنزل دائماً علَّها تلمحه هو أو أخته فتروى عطش أمومتها وحنينها إلى أحبائها. وشَعُر عماد بصراع شديد، وتضاربت المشاعر في داخله، إنها أمه الحبيبة الحنونة ! وهي أيضا السيدة التي باعت المسيح ولا بد من الانتقام منها.. وفوق ذلك فقد باعت نفسها للشيطان كما قال القس ووسط هذا الإعصار تذكر فجأة وسألها متى خرجت من السجن؟؟  وكانت معها مجموعة من زميلاتها في التمريض وقالت: بل قالوا جميعاً "أي سجن ؟؟" !!! أمك فضّلت الآخرة على الدنيا. وقالت أمه:  ألم أقل لك إنهم سوف يرمونني بأبشع التهم؟ وأعطته ورقة فيها عنوانها ورجته ألا يعلم أحدا بهذا العنوان وودعته وانصرفت.
رجع عماد إلى منزله ورأى أخته هبة لكنها كانت صغيرة لم تع أو تفهم ما يدور من حولها، وغلبه البكاء لمدى الظلم الذي وقع على أمه من ذاك القس، وتمنى أن يأخذ هذا القس جزاءه لإعتدائه على سيرة أمه دون أي وجه حق, أهذا عدل؟ أبذلك أمر المسيح ؟ هل هذا هو القس الذي يعترف له المُذنب؟ هل هذا هو قدوة المجتمع النصراني من الداخل؟
القرآن بصوت أمه
وبعد عدة أيام قام عماد بزيارة أمه في بيتها الجديد, وكان ذلك قبيل المغرب فاستقبلته استقبالاً رائعاً وجلس ينظر إلى منزلها المتواضع ذي الفرش البسيط مقارنة بالبيت التي كانت تسكنه من قبل، ووسط هذه النظرات السريعة إذا بالمنادي ينادي: "الله أكبر ... الله أكبر" وكان أذان المغرب.
في ذاك اليوم...اخترق نور الإيمان قلبه المظلم...وكأنه يسمع هذا الأذان لأول مرة في حياته رغم سماعه لهذا الأذان مئات المرات، ولكن كان لهذا الأذان في هذه اللحظة بالذات وقع عظيم في قلبه لم يشعر به من قبل. فقامت أمه على الفور وذَهَبَتْ فتطهرَّتْ وتوضّأت ثم دخلت في صلاة المغرب وجعلت تتلو القرآن في الصلاة بصوت مسموع، وسمع لأول مرة القرآن بصوت أمه، إنها سورة "الإخلاص" ونزلت هذه السورة على قلبه كأنها غسلته بماء الإيمان وسقته بلسما شافيا وتملكه شعور غريب تمنى أن يجلس على الأرض ليقبل قدمي أمه وهي تصلي،وأحس أن روحه أُستبدلت بروح جديدة، واجتمعت في نفسه إشعاعات النور وشعر بإشراق شمسِ يومٍ جديد بعد الغيوم القاتمة وظلام الليل الدامس, انتهت أول زيارة لبيت أمه ولكن شتان ما بين دخوله وخروجه من بيت أمه فقد خرج إنسانا جديدا لا يعرف نفسه.
مناظرة مع القس
 وفي يوم الثلاثاء التالي لزيارته لأمه, ذهب للكنيسة لحضور المحاضرة المعروفة كل ثلاثاء. وكان نفس القس يتحدث وأثناء المحاضرة أراد أن يكمل حديثه القذر عن الأم الطاهرة البريئة, فقال هذا القسُّ: أما عن فلانة فكنت عندها أمس وقلت لها يا إبنتي إن أولادك أحوج ما يكونون إليك، لكن للأسف ما زالت في السجن ووجدت هناك صعوبة بالغة حتى أتمكن من الحديث معها بتوسع لأنكم تعرفون السجن، وما أدراكم ما السجن....على العموم هذا جزاء كل بائع للمسيح وهذا جزاء كل خائن...في هذه اللحظة تحولت نظرات كل فرد في الكنيسة إلى عماد, الذي لم يتمالك نفسه ووقف أمام هذا الطاغوت ليحدثه بأعلى صوت ...وقال له: كفاية يا أبونا. ثم توجه للجميع قائلاً يا حضرات أنا كنت عند أمي أمس ولم تدخل السجن كما سمعتم وهذا الرجل كذاب بل إنه على العكس تماماً مما قاله هذا القس.وبدأ الجميع يحاولون تهدئته واسكاته حتى لا يهاجم القس, ولكنه استمر وقال للقس: أنت كذاب أنا كنت عند أمي أمس فقط في المنزل وليست في السجن . وعندما سمعَت أمي الأذان قامت وتطهرت وتوضأت وصلت  وهي في منتهى النقاء, والله رأيت في وجهها نضارة ما بعدها نضارة. يا جماعة أمي ليست في السجن كما يزعم (أبونا) وهاكم العنوان لمن يرغب في زيارتها. وأقسِم لكم أنني عندما سمعت آيات القرآن من أمي كانت هذه الآيات تغسلني وتطهرني من داخلي . فقاطعني القس قائلاً : اسكت يا ولد وإلا سأطردك خارج الكنيسة والدك لم يستطع تربيتك يا قليل الأدب . قلت له : دعني أسألك يا أبونا: هل أنت تتطهر قبل الصلاة كما يتطهر المسلمون؟
حينئذ جن جنون الجميع كبيراً وصغيراً واسودّت وجوههم وكشروا عن أنيابهم وانهالوا عليه بالضرب. أما القس فقد تغير لونه واسود وجهه وارتعشت يداه وظهر على وجهه الاضطراب والهزيمة والفضيحة. وقال كلمته الأخيرة الدالة على ألم الهزيمة ومرارتها : اتركوا هذا الولد .. فقد أجرَت له أمه غسيل مخ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق