سلمــــــان
الفــارسي
الباحث
عن الحقيـقــــــــــــــــــة
حكى بطلنا رحلة
بحثه عن حقيقة الإيمان والتوحيد وعن الصعاب التي لقيها في رحلته, حتى وجد ضالته...
وقال: كنت رجلا
فارسيا من أصبهان...وكان أبي دهقان(حاكم) قريته وكنت أحب خلق الله إليه, ومن حبه
إياي حبسني في بيته كالجارية واجتهدت في المجوسية حتى كنت موقد النار...لا أتركها
تخبو ساعة.
وكانت لأبي ضيعة
عظيمة فقال لي: يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها, فإطلعها
ولا تحتبس عني(لا تتأخر) فإنك إن احتبست كنت أهم من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من
أمري.
قال فخرجت, فمررت
بكنيسة من كنائس النصارى...فسمعت أصواتهم وهم يصلون- وكنت لا أدري ما أمر الناس
لحبس أبي إياي في بيته- فدخلت عليهم فأعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت: هذا
والله خير من ديني فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي فلم آتها, وقلت
لهم أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. فرجعت لأبي وقد شغلته عن عمله كله, فلما
جئته قال أي بني أين كنت؟ أولم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ فحكيت له ما حدث فقال: أي
بني ليس في ذلك الدين خير...دينك ودين آبائك خير منه, فقلت له كلا والله إنه لخير
من ديننا..فحبسني وجعل في رجلي قيدا.
فبعثت إلى النصارى
إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني إن أرادوا الرجعة إلى بلادهم, فجاءني الخبر
فألقيت الحديد من رجلي وذهبت معهم للشام, فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين
علما؟ قالوا: أسقف الكنيسة.
فجئته وقلت لقد رغبت في هذا الدين فأحببت أخدمك
في كنيستك فأتعلم منك وأصلي معك، قال ادخل. وكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم
فيها فإذا جمعوها له اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورِق(فضة).فأبغضته
بغضا شديدا ثم مات فجاءوا ليدفنوه فأخبرتهم عنه, فقالوا وما علمك بذلك؟ فأريتهم القلال
المملوءة ذهبا وورقا, فقالوا: والله لا ندفنه أبدا...فصلبوه ورجموه بالحجارة,
وجاءوا برجل آخر مكانه فما رأيت أفضل منه, وأزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة.
فأحببته حبا لم أحبه قبله مثله. وأقمت معه زمانا
ثم حضرته الوفاة فقلت لمن توصي بي؟ قال أي بني والله ما أعلم اليوم أحدا على ما
كنت عليه فقد هلك الناس وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل فالحق به.
فلما مات لحقت
بصاحب الموصل، وقبل موته أوصاني برجل بنصيبين...ثم أوصاني برجل بعمورية بأرض الروم,
ولحقت بصاحب عمورية فأقمت عند خير رجل على هدي أصحابه وأمرهم.
واكتسبت...حتى
كانت لي بقرات وغنيمة,ثم نزل به أمر الله فقلت لمن توصي به؟ قال أي بني والله ما أصبح
اليوم أحد آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظل زمان نبي وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه
السلام يخرج بأرض العرب, مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل به علامات لا تخفى...يأكل
الهدية ولا يأكل الصدقة وبين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد
فافعل.
وبعد موته...مر تجار فأعطيتهم بقراتي وغنيمتي كي
يحملوني لأرض العرب, حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني وباعوني لرجل يهودي عبدا,
فكنت عنده ورأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصفه صاحبي, ثم باعني لابن عمه من
بني قريظة وأخذني للمدينة فوالله ما أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها.
وبُعث رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر..لانشغالي بالرق, ثم هاجر
إلى المدينة...وكنت على نخل وسيدي تحتي, إذ أقبل ابن عمه فقال يا فلان قاتل الله
بني قيلة (الأوس والخزرج) والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة
اليوم يزعمون أنه نبي.
فلما سمعتها
أخذتني العرواء (الرعدة من البرد والانتفاض) وكدت أسقط على سيدي, فنزلت عن النخلة
وسألت ابن عمه ذلك ماذا تقول؟ فغضب سيدي ولكمني لكمة شديدة ثم قال ما لك ولهذا؟
أقبل على عملك.
وجمعت شيء لي
فأخذته وذهبت للنبي صلى الله عليه وسلم بقباء, فدخلت وقلت له لقد بلغني أنك رجل
صالح وأصحابك غرباء وهذا شيء كان عندي للصدقة
فرأيتكم أحق به...فقربته إليه فقال لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل. فقلت في نفسي
هذه واحدة.
وانصرفت فجمعت شيئا
فجئته وقلت إني رأيتك لا تأكل الصدقة فهذه هدية أكرمتك بها. فأكل منها هو وأصحابه.
فقلت هاتان اثنتان.
ثم جئته وهو جالس
في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر لظهره لأرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما
رآني عرف نيتي وألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فأكببت عليه أقبله
وأبكي, وقصصت عليه حديثي فأعجبه صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شغلني
الرق حتى فاتني بدر وأحد.
وقال صلى الله
عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخل أحييها له بالفقير وأربعين
أوقية. فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني, فأوفيتهم حقهم
وعُتقت وشهدت معه صلى الله عليه وسلم الخندق حرا, ثم لم يفتني معه مشهد.
وفي غزوة الخندق
كان المسلمون في موقف عصيب, فتقدم سلمان الفارسي من الرسول صلى الله عليه وسلم واقترح أن يحفر
خندقا حول المدينة، وبالفعل بدأ المسلمون في حفر هذا الخندق الذي صعق قريش حين
رأته.
توفي بالمدائن في
عهد عثمان بن عفان, وقد تولى دفنه والصلاة عليه وتجهيزه علي بن أبي
طالب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق