الأحد، 24 فبراير 2013

الثبات على الطريق بعد رمضان


الثبات على الطريق القويم بعد رمضان
ليس مطلبا مستحيلا

الصابر على دينه كالقابض على الجمر                              
اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا







مثل كل عام...تمر أيام رمضان سراعا فهو كالضيف الخفيف لا يثقل على الناس, ونتمنى أن تكون أيامنا كلها رمضان ولكن كثرة الفتن والمغريات وقلة الأعوان على الطاعة جعلت الملتزم بدينه كالقابض على الجمر أو الشوك, كما في الحديث "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر". 
ومما لا شك فيه أن تأرجح الإنسان بين قوة الإيمان وضعفه مرده إلى القلب...فما سُمي القلب قلبا إلا من تقلبه, وفي الحديث "إنما القلب من تقلبه، إنما مَثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن", وأيضا "لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا", وكثيرا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ثبات القلب على الإيمان " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
وقد أخبرنا الله تعالى في أكثر من آية أن الإيمان يزيد وينقص كما قال تعالى"هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ" الفتح4, وقوله "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" الأنفال2, لذا يجب زيادة إيماننا بكل وسائل التثبيت ومن أهمها.....
.
قراءة القرآن وذكر الله
القرآن الكريم أعظم وسيلة ثبات للمؤمن وهو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل أبدا وهو حبل الله المتين, من تمسك به واتبعه عصمه الله من كل مكروه.
والسبب في نزول القرآن منجماً مفصلاً هو التثبيت، وفي معرض الرد على الكفار قال تعالى "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا" الفرقان 32 -33.
ويؤكد لنا القرآن الكريم بأنه لن يتحقق للإنسان الطمأنينة والأمان إلا بذكر الله وقراءة القرآن, قال تعالى: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب" الرعد:28 .

المثابرة والمداومة على العمل الصالح
 كان صلى الله عليه وسلم يثابر على الأعمال الصالحة وكان أحب العمل إليه أدومه وإن قل, وكان أصحابه إذا عملوا عملاً داوموا عليه وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها إذا عملت العمل لزمته.
وقال الله تعالى "يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ" إبراهيم 27. وكذلك قوله "وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا" النساء66.
ويبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن المداومة على آداء السنن الرواتب يكون سببا لدخول الجنة بإذن الله "من ثابر على اثنتي عشرة ركعة بنى الله عز وجل له بيتا في الجنة", وفي الحديث القدسي: "وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"

التزام الصاحب الصالح
 أخبرنا صلى الله عليه وسلم "إِنَّ مِنْ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ"...وينبغي البعد عن صاحب السوء لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وأما أن تجد منه ريح طيبه ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة" وقال تعالى "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا" الكهف28.
وإياك والوحدة فتصيبك الهموم والكآبة وتتخطفك الشياطين فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية, ويجب ملازمة العلماء والدعاة والصالحين فهم أكبر معين على الثبات.

دراسة قصص الأنبياء والتأسي بها
 لم تنزل آيات قصص الأنبياء للتسلي والتلهي بها... بل لأخذ العبرة والحكمة منها في شتى المواقف, وكذلك لتثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وفؤاد المؤمنين, والدليل على ذلك قوله تعالى" وَكُلا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ هود 120.
وعندما تقرأ قصص الأنبياء فإنه يترسخ في الذهن المعنى الحقيقي للثبات على الحق في وجه الطغيان والطغاة من أمثال فرعون وثمود والنمرود
ولا ننسى أعظم قصص الثبات والتي استشهد أصحابها من أجل ثبات إيمانهم وتمسكهم بدين الله كقصة صاحب يس ومؤمن آل فرعون وأصحاب الأخدود وأصحاب الكهف وسحرة موسى وغيرهم......

الدعاء وخاصة أدعية الأنبياء
 من صفات عباد الله المؤمنين أنهم يتوجهون إلى الله بالدعاء أن يثبتهم:"رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا" آل عمران8, "رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا" البقرة250 .
ولاننسى دعاء أيوب عندا اشتد به الضر "وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ"الأنبياء 83, ودعاء آدم بعد ندمه على الأكل من الشجرة "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" الأعراف 23 ", ودعاء يونس من بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" الأنبياء 87.

عدم الاغترار بأهل الضلال
يجب معرفة حقيقة أهل الباطل وعدم الاغترار بهم...لقوله عز وجل "لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ" آل عمران196 وينبغي عدم تمني ما رزقهم الله, ويحدثنا القرآن عن الذين تمنوا حظ قارون, وعن إخوانهم الذين ثبتوا ولم يغتروا بما أتاه الله "فخرج على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم*وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون" القصص 79 ,80.

الثبات عند الفتن
مواجهة الفتن تحتاح إلى قلوب يعمرها الإيمان...فالتقلبات التي تصيب القلوب سببها الفتن، وعند التعرض للفتن فلا تثبت إلا القلوب الؤمنة.
فتنة المال:"وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ" التوبة 75 ,76.
فتنة المال والولد:"لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"المنافقون:9.
وأعظم فتن المَحيا هي فتنة الدجال: قال صلى الله عليه وسلم" يا أيها الناس! إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة الدجال، وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال".
فتنة الموت (الثبات عند الموت) عند الموت يحاول الشيطان انتهاز الفرصة الأخيرة لإغواء ابن آدم وإخراجه عن دين الإسلام...ومن أطاع الشيطان في حياته فإنه يطيعه أيضا لحظة مماته ويُحرم الثبات في أكرب الأوقات ولا يستطيع التلفظ بالشهادة عند الموت مهما حاول المحيطين تلقينه إياها!!
أما من كانت دعواهم اللهم ثبت قلبي على دينك فإن الله يثبتهم عند الممات فينطقون بالشهادتين بكل يسر...
اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة....وإجعلنا ممن قلت فيهم "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ" فصلت 30.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق