عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين
حفيد بائعة اللبن
سوسن سحاب
عندما كان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يعس بالمدينة ليلا, إذ سمع إمرأة تأمر ابنتها بمزج اللبن بالماء
فقالت الصبية لأمها: أما علمت بأن أمير المؤمنين أمر ألا يشاب اللبن بالماء؟؟ فقالت الأم: إننا بموضع لا يراك عمر, فقالت
الصبية: إذا كان عمر لا يرانا, فإن الله يرانا.
تأثر عمر بموقف الصبية
وتمنى أن يُزوجها لأحد أبناءه, فتزوجها ابنه عاصم, وأنجبت له ( ليلى),التي تزوجت
عبد العزيز بن مروان, وأنجبت خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيز, الذي سُميّ
على اسم جده عمر بن الخطاب.
نشأته في المدينة
حفظ القرآن في صغره وتفقَّهَ في الدين في المدينة
المنورة , وكانت لنشأته في المدينة أكبر الأثر في تكوينه, فقد تخلّق بأخلاق أهلها وتأثّر بعلمائها، وأخذ
العلم على شيوخها، وعندما كان شابا يافعا كان يأتي عبد الله بن عمر بن الخطاب، لما
له من مكانة في قلبه ولأمنيته أن يصبح مثله,
ثم يرجع إلى أمه فيقول: يا أمه، أنا أحب أن أكون مثل خالي عبد الله بن
عمر.
بنت الخليفة
ولما مات أبوه استدعاه عمه أمير المؤمنين عبد
الملك بن مروان ورباه مع أولاده,
بل قدّمه على كثير منهم وزوّجه
ابنته فاطمة، وهي فتاة صالحة وكانت نعم الزوجة والعون وآثرت ما عند الله على متاع
الدنيا، وهي التي قال فيها الشاعر:
بنت الخليفة والخليفة جدها أخت الخلائف والخليفة زوجها
لأنها بنت الخليفة عبد الملك بن مروان، وجدها
الخليفة مروان بن الحكم، وأخت الخلفاء الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك
ويزيد بن عبد
الملك وهشام بن عبد الملك، وزوجها هو الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه,
وقيل عنها: لا نعرف امرأة بهذا
الوصف إلى يومنا هذا سوى فاطمة بنت عبد الملك, وقد ولدت لعمر بن
عبد العزيز إسحاق ويعقوب وموسى.
قربوا إلىَّ بغلتي
وعندما كان ابن عمه الخليفة
سليمان بن عبدالملك في مرض
الموت استخلف عمر بن عبدالعزيز امتثالا لنصيحة مستشاره رجاء بن حيوة.
وبعد وفاة سليمان دفنه عمر، ولما فرغ سمع ضجة وجلبة فقال: ما هذا؟ فقيل له: هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين قربت إليك لتركبها، فقال: ما لي ولها ابعدوها عني قربوا إلي بغلتي.
وبعد وفاة سليمان دفنه عمر، ولما فرغ سمع ضجة وجلبة فقال: ما هذا؟ فقيل له: هذه مراكب الخلافة يا أمير المؤمنين قربت إليك لتركبها، فقال: ما لي ولها ابعدوها عني قربوا إلي بغلتي.
فقربت اليه بغلته فركبها، فسار وسار معه الناس حتى دخل المسجد
فصعد المنبر واجتمع اليه الناس, فقال: أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الامر من
غير رأي كان مني فيه ولا طلب له ولا مشورة من المسلمين، واني قد خلعت ما في
اعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم.
فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير
المؤمنين ورضينا بك. فتول أمرنا باليمن والبركة، فلما رأى الاصوات قد هدأت رفع صوته
حتى أسمع الناس فقال: يا أيها الناس من أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا
طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم.
نبتة صالحة في أرض الصالحين
واتجه عمر إلى بيته وآوى
إلى فراشه فما كاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى أقبل عليه ابنه عبد الملك وكان عمره
آنذاك سبعة عشر عامًا وقال: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فرد عمر: أي بني
أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة, قال عبد الملك: أتغفو قبل أن ترد
المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال
عمر: أي بني إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس
ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله, فقال عبد الملك: ومن لك يا أمير المؤمنين
بأن تعيش إلى الظهر؟ فقام عمر وقبَّل ابنه
وضمه إليه، ثم قال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي من يعينني على ديني.
هي لنا رشوة
وكان عمر زاهدا ويراقب
الله تعالى في كل تصرفاته, وقد اشتهى يوما تفاحا، فقال لو كان لنا شىء من التفاح فإنه
طيب الريح طيب الطعم, فقام رجل من أهل بيته فأهدى إليه تفاحا، فلما جاء به قال
عمر: ما أطيب ريحه وأحسنه، ارفعه يا غلام فاقرىء فلانا منا السلام و قل له: إن
هديتك قد وقعت منا بموقع بحيث تحب. فقال الرجل: يا أمير الموءمنين، ابن عمك ورجل
من أهل بيتك, وقد بلغك أن النبي صلى الله عليه و سلم , كان يأكل الهدية ولا يأكل
الصدقة، فقال ويحك..إن الهدية كانت للنبي صلى الله عليه وسلم وهي لنا اليوم رشوة.
ربي سيسألني عنهم
وقال عطاء بن رباح: حدثتني فاطمة امرأة عمر بن
عبدالعزيز انها دخلت عليه فاذا هو في مصلاه يده على خده سائلة دموعه فقالت: يا أمير
المؤمنين ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم,
فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود والمظلوم المقهور والغريب المأسور
والكبير وذي العيال في أقطار الأرض فعلمت إن ربي سيسألني عنهم.
بدأ بنفسه
وعندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة، بدأ بنفسه وأهل بيته، فأعاد
الأراضي التي وهبت له ولزوجته وأولاده إلى بيت مال المسلمين، وطلب من بني أمية إرجاع
ما أخذوه من بيت مال المسلمين بدون وجه حق، وكان ينظر في مظالم الرعية ويعيد للناس ما اغتصبه
أفراد أسرته منهم، كما عزل الولاة الظالمين والعمال القساة وعين
بدلاً منهم ولاة جدد.
ولم تعجب هذه السيرة بني مروان فاجتمعوا
على باب عمر بن عبدالعزيز،
وأخبروه إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطيهم ويعرف قدرهم، فقال عمر "إني أخاف إن
عصيت ربي عذاب يوم عظيم". وتبرم بنو أمية
بتشديد عمر عليهم وانتزاعه من يدهم معظم ما اغتصبوه من الرعية, فدفعوا بمن يدس له
السم في طعامه.
ما حملك أن تسقيني السم؟
قال مجاهد: قال لي عمر بن عبدالعزيز: ما يقول
الناس فيّ؟ قل: يقولون مسحور، قال: ما
انا بمسحور وإني لأعلم الساعة التي سقيت فيها، ثم دعا غلاما له فقال له: ويحك ما حملك على ان تسقيني
السم؟ قال:ألف دينار أُعطيتها وعلى أن أُعتق، قال: هاتها. قال: فجاء بها فألقاها
في بيت المال وقال: إذهب حيث لا يراك أحد.
مرحبا بهذه الوجوه
وعن عبيد بن حسان قال: لما احتضر عمر بن
عبدالعزيز قال اخرجوا عني فلا يبقى عندي أحد، وكان عنده مسلمة بن عبدالملك قال:
فخرجوا، فقعد على الباب هو وفاطمة فسمعوه يقول: مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس
ولا جان, ثم قال: "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في
الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين"، ثم هدأ الصوت فقال مسلمة لفاطمة: قد قبض صاحبك, فدخلوا
فوجدوه قد أسلم الروح.
مات وليس في سجنه رجل واحد
توفي عمر بن عبدالعزيز مسموما, ودفن بدير سمعان بالقرب من حلب في سوريا, في آخر رجب عام 101 وعمره تسع وثلاثون سنة وستة
أشهر واستمرت
خلافته لمدة عامين ونصف, كان يمثل العدل في أروع صوره ويحكم بما أمر الله, وعندما
توفي لم يكن في سجنه رجل واحد.
وإنتشر في عهده العلم
وافتتحت الكثير من المدارس ونشطت حركة الترجمة والتعريب ونسخ الكتب, وكثرت المساجد
في انحاء الدولة الأموية التي تعلم القرآن ، ومهد الشوارع والطرقات والممرات الآمنة في كل المدن
الإسلامية, وغير ذلك من الأعمال العظيمة التي جعلت المؤرخون يطلقون عليه لقب خامس
الخلفاء الراشدين.
تركة عمر
ويقول ابن الجوزي في سيرة عمر: مات عمر بن
عبدالعزيز رحمه الله وترك احد عشر ابنا، وبلغت تركته سبعة عشر ديناراً، كُفن منها
بخمسة دناني، وقسم الباقي على بنيه، وأصاب كل واحد من ولده تسعة عشر درهما، ولما مات هشام بن عبدالملك , خلف احد عشر ابنا
قسمت تركته واصاب
كل واحد من تركته الف الف اي مليون .
ومن أقواله المأثورة:
- أيها الناس أصلحوا أسراركم تصلح علانيتكم
واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم.
- وقال له رجل أوصِني فقال: أوصيك بتقوى الله وإيثاره تخف عنك المؤونة وتحسن لك من الله المعونة.
- وقال له رجل أوصِني فقال: أوصيك بتقوى الله وإيثاره تخف عنك المؤونة وتحسن لك من الله المعونة.
- وقال لعمر بن حفص: إذا
سمعت كلمة من امرئ مسلم فلا
تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملاً من الخير.
- وقال : قد أفلح مَنْ عُصم من المراء
والغضب والطمع.
- وقال: مَنْ عَدَّ كلامه مِنْ عمله قَلَّ كلامُه.
- وقال: مَنْ عَدَّ كلامه مِنْ عمله قَلَّ كلامُه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق