ربح
البيع أبا يحيى
نشأ صهيب مترفا وكان أبوه حاكما لولاية بالعراق,
وأبوه من بني نمير وأمه من بني تميم, ولُقب بالرومي لأنه عاش زمنا طويلا في بلاد
الروم.
وقد تعرض لأسر الروم وبيع في أسواق الرقيق وظل
يتنقل من سيد إلى سيد حتى سمع يوما أحد كهنة النصاري يخبر سيده أن هناك نبيا سيظهر
في مكة ويُخرج الناس من الظلمات إلى النور...فهرب من رِق أسياده إلى مكة ليترقب
ظهور النبي الجديد, وعمل في التجارة حتى امتلك ثروة طائلة....
وما أن سمع عن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حتى
مضى إلى دار الأرقم سراً, وقابل عمار بن ياسر على الباب فسأله ماذا تريد؟ فقال: بل
أنت ماذا تريد؟ فقال أريد أن أسمع ما يقول هذا الرجل, فقال وأنا كذلك...فدخلا سويا
على النبي صلى الله عليه وسلم واستمعا له وأشرق نور الإيمان في قلبيهما وكانا من
السابقين المتحملين لأذى وبطش قريش.
وبعد الهجرة لم يحتمل صهيب بن سنان رضي الله عنه
فراقه صلى الله عليه وسلم.
وأعد عدته للرحيل...وعندما تأهب للهجرة علم
المشركون ولم يتركوه يهاجر بماله...فقد سلبوه كل ما يملك, وقالوا له: أتيتنا
صعلوكا حقيرا فكثر مالك عندنا ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك, والله لا يكون ذلك.
فقال لهم صهيب رضي الله عنه: "يا معشر قريش
قد علمتم أني من أرماكم رجلا- أي أحسن من يرمي بالسهام- وأنتم والله لا تصلون إليّ
حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقى في يدي شيء منه شيء ثم افعلوا ما
شئتم أو....إن شئتم جعلت لكم مالي وخليتم سبيلي؟
قالوا: نعم, قال صهيب: فإني جعلت لكم مالي".
وترك صهيب رضي الله عنه كل ماله لكفار قريش
ابتغاء مرضات الله وحبا في رسوله صلى الله عليه وسلم.....
وقد خرج
صهيب من مكة مسرعا حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء - قبل أن يدخل
يثرب - فلما رآه صلى الله عليه وسلم قال: "يا أبا يحيي ربح البيع", فقال
صهيب: يا رسول الله ما سبقني إليك أحد وما أخبرك بذلك إلا جبريل عليه السلام, وتلا
عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية التي نزلت فيه.....قال تعالى: "ومن
الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد" البقرة 207.
قال عمر
رضي الله عنه لصهيب:" يا صهيب مالك تُكنَّى أبا يحيي وليس لك ولد, وتقول إنك
من العرب وأنت رجل من الروم, وتطعم الطعام الكثير وذلك سرف في المال؟" فقال
صهيب:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّاني أبا يحيي, وأما عن قولك في
النسب وادعائي إلى العرب, فإني رجل من النمر بن قاسط من أهل الموصل, ولكني سبيت...سبتني
الروم غلاما صغيرا بعد أن عقلت أهلي وقومي وعرفت نسبي, وأما قولك في الطعام
وإسرافي فيه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:" إن خياركم من أطعم
الطعام ورد السلام فذلك الذي يحملني على أن أطعم الطعام".
وكانت
منزلة صهيب كريمة عند الصحابة, حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما طُعِن
فإنه أناب صهيبا كي يصلي بالمسلمين حتى يتفق أهل الشورى على إمام.
وقد اعتزل
الفتنة في زمن عثمان...ومات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين.
قال صهيب
عن نفسه: لم يشهد النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا قط إلا كنت حاضره, ولم يبايع
بيعة ولم يسر سرية إلا كنت حاضرها, ولا غزا غزوة في أول الزمان وآخره إلا كنت فيها
عن يمينه أو شماله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق