الأولى والوحيدة
خديجة بنت خويلد
اشتهر محمد صلى الله عليه وسلم بين تجار مكة بالصدق والأمانة ولقَّبوه
بالصادق الأمين, وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في
مالها وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم, فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما بلغها من صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه...بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج
متاجرا في مال لها إلى الشام وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار مع غلام لها
يقال له ميسرة فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وخرج في مالها وخرج معه
غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
الراهب نسطورا
فنزل النبي صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من
الرهبان يسمَّى نسطورا...فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال له من هذا الرجل الذي نزل
تحت هذه الشجرة؟ قال له ميسرة هذا رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب ما
نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي!!!
ملكين يظلانه
باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها واشترى ما أراد
أن يشتري ثم عاد إلى مكة ومعه ميسرة, فكان ميسرة – إذا اشتد الحر وقت الظهيرة- يرى
ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره....
عاد الرسول صلى الله عليه وسلم وميسرة إلى مكة بعد رحلة موفقة وأرباح
مضاعفة, وكان ميسرة مبهورا طوال رحلته معه لما رآه من صفات عظيمة وحسن خلق وطيب
معاشرة, وذهب النبي صلى الله عليه وسلم لمقابلة خديجة فاستقبلته في دارها وأنصتت
إليه بكل اهتمام وهو يحكي خبر رحلته.
أمنية خديجة
كانت خديجة بنت خويلد أرملة في الأربعين وكانت إمرأة حازمة شريفة
لبيبة وهي من أشرف نساء قريش وأوسطهن نسباً،وأكثرهن مالا, وأعظمهن شرفاً، وقد رفضت الزواج من أثرياء قريش وتفرغت
لتجارتها, ولكنها وجدت في محمد صلى الله عليه وسلم صفاتً كريمة وأخلاقا رفيعة لم
تجدها فيمن تقدموا لخطبتها.....فتمنته زوجا لها.
مرسال الزواج
أرسلت خديجة إلى النبي صلى الله عليه وسلم صديقة لها لتسأله ما يمنعك
من الزواج؟ فقال:ما بيدي ما أتزوج به.
فقالت: فإن كُفيت ذلك ودُعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاية ألا
تجيب؟
قال: فمن هي؟
قالت: خديجة.
وافق صلى الله عليه وسلم على الفور...وذهبت الصديقة إلى خديجة
فأخبرتها فأرسلت إليه صلى الله عليه وسلم أن يأتي, وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد
ليُزوِّجها- وذكرت بعض المصادر أن أباها خويلد هو الي أنكحها ولكن المرجح أنه قضى
نحبه قبل خطبة خديجة- ودخل محمد مع عمومته وتم الزواج.
لم يتزوج عليها حتى ماتت
وخطب أبو طالب خطبة النكاح وكان مما قاله في تلك الخطبة "أما بعد
فإن محمدا ممن لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فإن
كان في المال قل فإنما ظل زائل وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها
فيه مثل ذلك" فقال عمرو بن أسد: هو الفحل الذي لا يقدع أنفه فأنكحها منه. وأمرت
خديجة بشاة فذبحت وأعدت الطعام وأكلوا.
انتقل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الزواج إلى
بيت خديجة وكانت أول امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها حتى ماتت...فكانت الأولى والوحيدة.
وأنجبت له ولدين
وأربع بنات وهم: القاسم- وبه يكنى- وعبد الله، ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة,
وكانت الوحيدة من زوجاته التي أنجبت له ذريته ثم السيدة مارية التي أنجبت إبراهيم
ولكنه توفى...
بدء نزول الوحي
وعندما نزل الوحى
على رسول الله صلى الله عليه وسلم "إقرأ باسم ربك الذي خلق" وبُعث
بالرسالة....كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله على الإطلاق- من النساء والرجال-
وصدقت بما جاءه من الله وآزرته على أمره، وكانت أول من هونت عليه الصعاب وأول من
ساندته ونصرت الإسلام بمالها.
وكانت السيدة
خديجة امرأة عاقلة حكيمة كريمة من أهل الجنة، فقد أمر الله تعالى رسوله أن يبشرها
في الجنة ببيت من قصب لا صخب فيه ولا نصب...
وعن أبي هريرة:
أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو
طعام أو شراب, فإذا هي أتتك فإقرأ عليها السلام من ربها ومني, وبشرها ببيت في
الجنة من قصب, لا صخب فيه ولا نصب".
وأيضا قال النبي
صلى الله عليه وسلم: "سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة وخديجة وإمرأة
فرعون آسية".
وكان صلى الله
عليه وسلم يفضلها – حتى بعد وفاتها- على سائر زوجاته، وكان يكثر من ذكرها حتى غِرن....وكانت
عائشة تقول ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة وما رأيتها، ولكن كان
النبي يكثر من ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة
فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا إلا خديجة، فيقول إنها كانت وكان لي منها ولد.
غيرة عائشة رضي الله عنها
وقَالت عائشة أيضا:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة,لم يكد يسأم من ثناء عليها
واستغفار لها..... فذكرها يوما,فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك الله من كبيرة
السن!! قالت: فرأيته غضب غضبا أسقطت في جلدي, وقلت في نفسي: اللهم إن أذهبت غضب
رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء....
وفي الحديث "كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى فأحسن الثناء فغرت يوماً فقلت ما
أكثر ما تذكرها حمراء الشدقين قد أبدلك الله خيراً منها, قال: ما أبدلني الله خيراً منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس
وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني الله أولادها إذ
حرمني أولاد النساء".
وكانت لخديجة منزلة خاصة في قلبه صلى الله عليه وسلم فهي الحبيبة العاقلة
والزوجة المصونة والأم الحنونة, وحتى بعد وفاتها وزواجه من غيرها من النساء لم
تستطع أي واحدة منهن أن تزحزح " خديجة " عن مكانتها في قلبه.
قلادة خديجة
فبعد أعوام من وفاتها وبعد نصر المسلمين في غزوة "بدر" بعثت ابنته
"زينب" تفتدي زوجها الأسير"أبي العاص بن الربيع" بقلادة أمها
وما أن رآها صلى الله عليه وسلم حتى رق قلبه ودمعت عيناه وقال "قلادة
خديجة!!" وطلب من أصحابه أن يردوا على زينب قلادتها ويفكوا أسيرها ان شاءوا.
وتوفيت خديجة رضي الله عنها قبل الهجرة إلى المدينة بثلاث أعوام، وأنزلها النبي
صلى الله عليه وسلم بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيده، ودفنها بالحجون "مقابر
المعلاة بمكة المكرمة".....وكانت
وفاتها مصيبة كبيرة بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم وتحملها بصبر وجأش, راضياً
بقضاء الله ولقد حزن عليها حزنا كبيرا حتى خُـشى عليه ومكث فترة بعدها بلا زواج.....رحم الله أمنا خديجة
وجزاها عن نصرتها للإسلام خير الجزاء....