الخميس، 23 فبراير 2012

فتوى ضرب الأزواج


تحقيق فتوي ضرب الأزواج
خطوة لصالح المرأة أم قفزة لانهيار الحياة الزوجية





بقلم: سوسن سحاب
"إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق"
"إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"
"ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما
لها مَخرج بإن تطلب الطلاق أو الخُلع
كثير من حالات الشقاق والطلاق والجرائم بسبب الفتوى
هذه الفتوى مدمرة للبنيان الأُسَرِي في السنا في غابة حتى يأخذ كل إنسان حقه بيده

يُحكى أن شريحا - القاضي- تزوج امرأة من بني تميم يقال لها زينب، ورأى منها كريم المعشر ولطيف الأنس، وحسن الصحبة ما جعله يقول يوم وفاتها: "وددت أني قاسمتها عمري أو مت أنا وهي في يوم واحد" ثم قال: "رأيت رجالا يضربون نساءهم فشلت يميني يوم أضرب زينبا.
تذكرت هذه القصة عندما قرأت فتوى ضرب "الأزواج" وليس "الزوجات" وقد أثارت هذه الفتوى الجدل كما لم تثره أي فتوى من قبل, وهذه الفتوى التي أفتى بها الشيخ العبيكان المستشار بوزارة العدل السعودية وهي بجواز رد المرأة عنف زوجها بعنف مثله دفاعا عن النفس، فلو ضربها ضربته وأوضح أن هذا يأتي من باب "دفع الصائل" "فأي إنسان هاجمه سبع أو آدمي له حق الدفاع عن نفسه، حتى لو أن من صال عليه حاول قتلة يحق له قتله دفاعا عن النفس", ثم دعمتها فتوى من عالم الدين التركي فتح الله كولن، بأحقية المرأة في الدفاع عن نفسها أمام عنف زوجها بأن ترد له الضرب بضرب، وأن تتعلم فنون الدفاع عن النفس مثل الكاراتيه والجودو والتايكوندو.
وقد جاءت فتوي العبيكان بعد يوم واحد من من تنفيذ حكم الإعدام بحق مواطن سعودي أدين بقتل زوجته، بعدما أوسعها ضربا بالعصا حتى ماتت.
وقد أدت هذه الفتوى إلى زعزعة الاستقرار في بعض البيوت,وأصبح الزوج الذي إعتاد على ضرب زوجته يترقب انتقامها منه, وهناك بعض النساء التي اتخذت الفتوى ذريعة للإعتداء على زوج ضعيف الشخصية.
ولا أدري ما الذي أوصل الأسرة المسلمة للإستعانة بمثل تلك الفتاوى, فقد أوجز القرآن الكريم العلاقة الأسرية في جملة واحدة "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" ويجب أن تتسم الحياة الأسرية بالرفق، فإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه وفي الحديث"إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق" فإذا لم تستقم العلاقة الأسرية السوية بالحُسنى, فالأفضل هو الإنفصال بإحترام, ولكن معظم الناس تخشى من هدم صورتها الأسرية أمام المجتمع, والكثير من النساء تحتمل الإهانة والضرب ولا تحتمل لقب "مطلقة".
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ضرب النساء، وجعل الضرب في حال النشوز فقط أي أن الضرب هنا استثناء وليس قاعدة، ولكن طِباع بعض الرجال جعلت الاستثناء قاعدة, وأٌلصقت تهمة ضرب النساء للدين ولم يُتهم الرجال.
والعجيب إنك تجد من يضرب زوجته يكون بعيدا تماما عن الدين, ولكنه يأخذ من الدين فقط "فاضربوهن" وينسى كل الوصايا بالتراحم والود والإحسان, ولنا في رسولنا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة, فقد تزوج العديد من النساء فهل سمعنا أنه ضرب إحدى نساءه؟ بالطبع لا فكما قالت عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة ولا خادما".
ويجب على المرأة التي تعرف في زوجها هذه الخصال ألا تُلجئه إليها, كألا تستفزه وتفعل ما يخرجه عن شعوره فيضربها, أو يفعل ما هو أسوأ.
وعلى المرأة الذكية الفطنة بما تملكه من وعي وحكمة ولين ورجاحة عقل, أن تتمسك بشعرة معاوية إذا شدها الزوج أرخت هي, حتى لا ينقطع حبل المودة.
ولمعرفة أثر هذه الفتوى على الحياة الزوجية توجهنا بالسؤال لبعض الأزواج والزوجات وعلماء الدين.
إذا ضربتني سأطلقها
يعارض أحمد خ. هذه الفتوى ويقول إذا ضربتني زوجتي فسأطلقها على الفور, بالرغم من أنني أستخدم أحيانا الضرب لأن زوجتي دائما العناد لي, وكثيرا ما تخرجني عن شعوري فلا أشعر بنفسي إلا وأنا أضربها بشدة حتى ينتهي عنادها.

أرد أذاه عني
أما ندى م. فتقول أويد هذه الفتوى بشدة وفي كل مرة يضربني زوجي فإني أرد له الضرب لكي أدافع عن نفسي وأرد أذاه عني, حتى أصبح يراجع نفسه قبل أن يفكر في إيذائي.
تحذير من زيادة العنف
ويحذر علاء ش. من أن تلك الفتوى ربما تؤدي إلى زيادة العنف داخل الأسرة, وأن الحياة الزوجية يجب أن تكون مبنية على المعروف وليس على العنف,  ويضيف الذي يضرب زوجته هو رجل ضعيف الشخصية, فالرجل غير القادر على حل مشكلاته يستخدم الضرب, وأيضا هو معقد نفسيا, فالشخص الذي رأى أباه يضرب أمه, يكون قد اعتاد على النظرة الدونية للمرأة.
أعارض أم أؤيد
ولا تعرف فاطمة ع. أتعارض أم تؤيد هذه الفتوى وتقول نعم كانت سببا في نهاية معاناتي من ضرب زوجي, وأيضا كانت سببا في نهاية حياتي الزوجية, فقد اعتاد زوجي على ضربي, وكنت أحتمل الضرب والإهانة في انكسار, وعندما سمعت عن هذه الفتوى قررت ألا أتلقى الضرب في صمت, وفي إحدى المشاجرات ضربني يعنف, فاستجمعت قواي ورددت له الضرب دفاعا عن نفسي, في البداية صُدِم ثم طلقني.

لسنا في غابة
تعارض وفاء ح. هذه الفتوى بشدة وتؤكد على ضرورة وجود إحترام منبادل بين الزوجين, لأن الحياة الزوجية ليست محلا للصراعات وتبادل الضرب, ولسنا في غابة حتى يأخذ كل إنسان حقه بيده, وإذا تعرضت الزوجة للإيذاء فيجب أن تلجأ لأهلها للتفاهم الودي أولا, وإذا تعذر الأمر تلجأ للمحاكم.

مصادرة حقه في القوامة
ويؤكد  أ.د. عبد الفتاح إدريس - أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر والخبير بالمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي- أن فتوى ضرب الزوجات لا تقوم علي دليل صحيح أو غير صحيح, لأنه الله تعالي حين أمر الزوج بتأديب زوجته إذا خاف نشوزها لم يأمرها بضربه, لأن الفرض أنه يؤدبها علي ما اقترفته في حقه, وتشريع ضربها لزوجها فضلا عما فيه مناقضة للآية الكريمة, فإن فيه استمرارا لاعتداء الزوجة علي زوجها, وامتهانا لكرامته, ومصادرة لحقه في القوامة علي الأسرة, وإغراء لأولاده ذكورا وإناثا بعقوقه وعدم احترامه والعصف بأوامره ونواهيه, وقد ورد في السنة ما يفيد أن علي راعي الأسرة أن يخيف أفرادها في الله, وأن يؤدبهم إذا اقتضي الأمر ذلك, يضاف إلي هذا أن الزوج مأذون له شرعا في تأديب زوجته من قبل الشارع إذا لم يجد معها الوعظ أو الهجر في الفراش, ولم يكن في حالة صيال علي زوجته, حتى يباح لها أن ترد صياله عليها بالضرب أو مما ورد في الفتوي.
حقها الدفاع عن نفسها
ويرى الدكتور أحمد السايح، الأستاذ في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، أنه إذا كان الزوج سيئ العشرة، وقام بضرب زوجته فمن حق الزوجة شرعاً وقانوناً أن تدافع عن نفسها وأن تبادل عنف زوجها بعنف مثله دفاعا عن النفس، لأن المرأة والرجل متساويان في الحقوق والواجبات فالمرأة كالرجل في نظر الإسلام تماما. لقول الله تعالى: «ولهن مثل الذي عليهن».
عدة شروط للضرب
أما الشيخ سالم الدوبي- الواعظ بدائرة الشئون الإسلامية والأوقاف بالشارقة – فيقول  إن من عظمة الاسلام أن بيَّن حقوق الزوجين، وما يراعيه كلٌّ منهما في حقِّ الآخر، وبيَّن أنَّ المرأة إذا بدأت منها علامات النشوز فإن التأديب مشروع وذلك من خلال عدة مراحل، فالمرحلة الأولى الوعظ بلا هجر ولا ضرب، فإن لم ينفع معها الوعظ والتذكير، فينتقل إلى المرحلة الثانية وهي الهجر في المضاجع وذلك بأن يولِّيها ظهره في المضجع، أو ينفرد عنها في فراش يخصه، فإن لم ينفع ذلك معها انتقل إلى المرحلة الثالثة وهي الضرب غير المبرح فلا يبدأ الرجل بضرب زوجه بداية نشوزها. ثمَّ إنَّ الضرب للزوجة ليس على إطلاقه بل له عدَّة شروط وهي:1- أن تصرَّ المرأة على النشوز والعصيان 2- أن يتناسب نوع العقاب مع نوع التقصير 3- أن يراعي الرجل مقصوده من الضرب وأنَّه للعلاج والتأديب لا غير، فيخفف منه بقدر الإمكان.
ويضيف الدوبي أنه بناء على ذلك فإذا سلك الزوج ما شرع الله له من هذه المراتب وضرب زوجته ضربا غير مبرح فلا يجوز لها أن تضربه بأي حال من الأحوال, لأن الضرب غير المبرح شرع للزوج في أن يؤدب زوجته، ولم يشرع للزوجة في أن تؤدب زوجها. وينبه لأمر مهم وهو إذا تمادى الزوج في ضربه وتجاوز ما شرع له من التأديب فحينئذ ترد هذا الضرب بما يدفع عنها الأذى، و ليس لها أن ترد بمثل ما فعل وعليها ألا تبادله ضرباً بضرب، ولا سباً بسب.
مدمرة للبنيان الأسري
ويعارض الدكتور أحمد محمود - لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية- هذه الفتوى ويقول هذا الفعل غير جائز ولها مَخرج بإن تطلب الطلاق أو الخُلع, وبضيف هذه الفتوى مدمرة للبنيان الأُسَرِي في الإسلام، لاستبدال المودة والرحمة، التي جاء بهما الإسلام  بالعنف والضرب.
لكل إنسان أن يدافع عن نفسه
وأيد رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشيخ عبد الحميد الأطرش هذه الفتوى، مؤكداً أنه يجوز للزوجة شرعاً أن تضرب زوجها دفاعاً عن النفس، ولكل إنسان أن يدافع عن نفسه، ولا فرق في ذلك بين رجل وامرأة، أو عظيم وحقير، لأن الناس جميعاً أمام الله سواء، وإذا تعرض إنسان للضرب فلا يجوز له أن يسكت على ذلك.
شقاق وطلاق وجرائم
ويرى الدكتور عادل أحمد الرويني - كاتب إسلامي- أن الفتوى المذكورة قد تسببت في كثير من حالات الشجار والشقاق بل والطلاق وأيضا الجرائم ، لأنه لايمكن أن يقبل أبدا رجل مهما كان خطئه أن تمتد إليه يد زوجته لترد له الضرب ضربة بضربة ، وماذا ننتظر من زوج فقد هيبته ومكانته في أسرته برد زوجته الضرب عليه ؟ وكيف يستطيع بعد ذلك أن يسيطر على أولاده وأهل بيته ؟ إن بيوت المسلمين بهذه الفتوى المتسرعة غير المدروسة ستتحول إلى حلبات للمصارعة،وساحات للتلاسن والتلاعن والسباب  بين الزوجين.
لقد أباح الإسلام للزوج ضرب زوجته للتأديب بشروط معينة بحيث لايكون بداية علاج نشوز المرأة بالضرب وقال تعالى"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا" النساء 34 الأمر هنا موجه للرجال لأنهم أصحاب القوامة، وليس موجها للنساء.
ثم إن هذه الفتوى قد رفضتها الكثيرات من النساء ذوات الفطر السليمة, فعلى المرأة إن تساءل نفسها لماذا أوصلت زوجها إلى تلك الدرجة التي جعلته يمد يده إليها بالضرب، أما إن كانت مظلومة وكان هذا ديدن زوجها فعليها أن تحتسب وتصبر على أذاه وهي مأجورة على هذا إن شاء الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق