الخميس، 23 فبراير 2012

في بيتنا مطلقة


في بيتنا مطلقة
زادت حالات الطلاق في السنوات الأخيرة , بشكل مخيف في وطننا العربي وأصبح لا يخلو بيتا من وجود مطلق أو مطلقة ،وأصبح الطلاق أول وأسرع حل ,لأي مشكلة زوجية , وباتت لفظة الطلاق كلمة سهلة التداول, وقد غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأشعريين وقال: (يقول أحدكم قد طلقت ,قد راجعت, ليس هذا طلاق المسلمين ) وأنزل الله تعالى (ولا تتخذوا آيات الله هزوا) البقرة 231 . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة جدهن جد ,وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ) أي لايجوز للرجل بأي حال من الأحوال أن يتلاعب بهذه الألفاظ.
وللأسف فإن الكثير منا لا يعرف ما أمر الله به في الطلاق, وقال تعالى في أول سورة الطلاق: ( يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا). وتلك الآية منهاج حياة ,ويجب أن توضع في عقود الزواج حتى يعرف كل زوج وزوجة ما لهما وما عليهما.
وأول ما أمر الله به عند الطلاق (فطلقوهن لعدتهن) , وقد طلق عبد الله بن عمر زوجة له وهي حائض, فذكر عمر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: ( ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ,ثم تحيض فتطهر,فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله بها عز وجل). أي لا بد أن يطلقها طاهرة من غير جماع,أو حاملا قد استبان حملها. وما أمر الله به أيضا هو ( وأحصوا العدة) أي يجب أن يُعرف ابتداءها وانتهاءها ,حتى لا تطول العدة على المرأة .
وأهم ما أمر به الله تعالى ,ويجهله معظم الناس, أو لا يفعلوه متعمدين أو مقصرين, ( لا تخرجوهن من بيوتهن ) أي يأمر الله تعالى الزوج بعدم إخراج زوجته المعتدة خارج بيت الزوجية في العدة, وعلى الزوجة أيضا ألا تخرج من بيتها, ولكن ما نراه , هو إما أن يطرد الزوج زوجته خارج البيت , أو تذهب هي إلى بيت أهلها, (لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا) أي إذا بقيت الزوجة في منزل الزوجية ,يمكن أن يندم الزوج على ما فعل, ويمكن أن يتراضوا ,ويتذكر كل منهما المشاعر الجميلة والعشرة الطيبة, فيراجعها.
أما خروج الزوجة بنفسها ,أو إخراجها من المنزل فهذا ليس في صالحها لأن الله تعالى يقول ( ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) أي لا تخرج من بيت الزوجية , إلا المرأة التي طلقها زوجها لأنها فعلت الفاحشة والعياذ بالله.
وأيضا يأمر الله تعالى بالإشهاد (واشهدوا ذوي عدل منكم) أي إذا انقضت عدة المرأة ,والزوج يريد مراجعتها إلى عصمته أو يريد مفارقتها بمعروف ,فلا بد من وجود شاهدي عدل ,وذلك حفظا وصوانا للمرأة .
وإذا طلق الرجل إمرأته  , ثم تراضوا , وأراد أن يراجعها , وهي تريد ذلك , فلا  يجب على ولي أمر الزوجة أن يتعنت , ويمنع ابنته أن ترجع إلى زوجها , (وإذاى طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف) البقرة 232
وتحكي ر. ع . منذ أن تفتحت عيني وأنا أسمع كلمة الطلاق في بيتنا ,فأبي كان يقولها أكثر مما يقول صباح الخير, فعلى كل صغيرة وكبيرة يحلف بالطلاق, إذا خرجت فأنت طالق , وإذا كذا فأنت طالق, وقد طلق أمي ثلاث طلقات ,ثم تزوجت غيره , وطلقت ,ثم عادت إليه , وأيضا لم يرتدع بل طلقها , ولكنه ندم على أفعاله بعد أن أصبح كبير السن.
وتناشد ك. أ علماء الدين , أن يزيدوا من برامج التوعية الأهل وللأزواج, فمنذ أن تزوجت ,وأهلها يريدون السيطرة عليها وعلى زوجها, ولكن الزوج رفض سيطرتهم, وكان الحل لإراحة نفسه من المشاكل هو الطلاق, فأخذها الأب لبيته, وعندما ندم الزوج وأراد مراجعتها في شهور العدة,رفض الأب بشدة , وحبس ابنته في البيت ,حتى انقضت عدتها.  
وتقول س.و. تزوجت ابن عمي ,زواجا تقليديا, بعد الضغط من جميع الأهل ,بأنه هو الشخص المناسب , وأن صلة القرابة ستجعله يعاملني أحسن معاملة , وبالفعل كانت معاملته لي أمام الجميع , ممتازة .
ولكن للأسف ,بعد أن أغلق علينا الباب , تغيرت المعاملة إلى النقيض ,وبدأ الضرب لأتفه الأسباب, ولم أجد أحدا يستمع لي من أهلي, ولم يوافقوا على طلبي للطلاق, ومرت الأعوام  وأنجبت إثنين, وكانوا يرون ما أتعرض له من إهانات وضرب مستمر,فوقفوا بجانبي حتى حصلت على الطلاق.
أما ف. م. فسبب الطلاق عندها مختلف ,فتقول تزوجت عن حب, وطلقت في السنة الأولى, وكانت قلة خبرة كل منا بالحياة الزوجية, بالرغم من نضوج سننا, من أسباب الطلاق.
وتضيف أن السبب الرئيسي للطلاق هو تأثير البيئة التي تربىَ فيها الشخص على حياته الجديدة, فإن الإنسان الذي تربى في أسرة مفككة , فكيف سيعرف قيمة الترابط الأسري , وكذلك الرجل الذي يرى أباه يضرب أمه بإستمرار, فعندما يتزوج بالتأكيد سيصبح مثل أباه.
وهكذا لا يقوى الحب أمام الإختبار الحقيقي في الحياة, ولا يستطيع الرجل إتخاذ قرار بتحمل مسئولية بيت وأسرة, فيحدث الطلاق.
ويوضح دكتور حسين العثمان – أستاذ علم الإجتماع بجامعة الشارقة -  أنه توجد علاقة بين العمر والطلاق , فكلما كان الزواج في سن مبكرة, كان احتمالات الطلاق أكبر.
ومن أسباب الطلاق , قلة الخبرة من الزوجين , وتزيد المشكلة إذا كان فارق السن كبير بين الزوجين , فتزيد احتمالات الطلاق لأسباب تتعلق بشخصية كل منهما ونمط الحياة الخاص بهما.
ومن الأسباب أيضا عدم القدرة على التواصل بين الطرفين , لأن السبب الرئيسي للطلاق هو عدم التفاهم.
وأيضا عدم القدرة على تحمل المسئولية , وهذا لا يعني أن الكل لا ينجح بل على العكس ,فهناك الكثير من الحالات الناجحة.
وترى د. سامية إبراهيم أستاذة الاجتماع  أن أسباب الطلاق في أحيان كثيرة ترجع إلى أسباب الزواج نفسه, فهناك زواج الحب , والزواج من أجل الأمومة وتكوين الأسرة , وهناك من تتزوج لمجرد مغادرة منزل الأسرة, حيث الخلافات الزوجية المستمرة بين الوالدين, وهناك من تتزوج هربا من الوحدة, وهناك من تخاف من شبح العنوسة, وهناك من تريد ظل الرجل.    ويمكن لهذه الزيجات أن تصمد , إذا حاول كل طرف التقرب من شريك حياته,وإعطاء نفسه الفرص لتحقيق النجاح, أما من يهرب من مواجهة مشاكله ,سيظل يهرب طوال حياته.
وتضيف  أن الإحصاءات الحديثة ذكرت أن نسب حالات الطلاق التي بدأت تسري كالنار في المجتمعات العربية، تصدم الباحثين وخبراء الاجتماع، بعدما بلغت معدلات عالية تفوق التصور , ففي مصر ذكرت تقارير جهاز التعبئة والإحصاء أنه تقع حالة طلاق كل ست دقائق في مصر ,وهناك ما يزيد عن  ( 90 ألف) أسرة تتفكك سنوياً نتيجة الطلاق  ومن بين كل  (100) حالة زواج تتم في القاهرة تنتهي (31) حالة منها بالطلاق. وكشفت وزارة التخطيط في السعودية عن إحصائية ذكرت أن (33 حالة طلاق) تقع يومياً لتبلغ خلال العام الواحد 192‚12 حالة , وتشير الإحصائيات أن نسبة المطلقات في البحرين ,تزيد عن (30%). وبلغت النسبة في الإمارات  8,9 % ,  أما بالنسبة لأوضاع المطلقات فمعظمهن يعشن ظروف صعبة للغاية , نتيجة لعدم حصولهن على نفقة أو وظيفة.
وعن الطلاق المبكر , تطرح د. سعاد حسين الأخصائية النفسية , عدة أسباب أبرزها , أن الشباب لم يعد قادرا على تحمل المسئولية فقد تمت تنحيته وتهميشه في أشياء كثيرة فتعوَّد عدم المشاركة، كما أن هذا الجيل يتصف بالمزاجية، وسرعة التغيير، فهو يغير المحمول خلال شهرين لمجرد التغيير للأحدث، وإذا كان ثريا فلا بد من تغيير السيارة أيضًا، وأصبح سريع الملل , ولا يقدر قيمة ما يقتنيه , ولا يختار ما يحتاجه ويناسبه , بل يختار ما يقدر على شراءه ,  وهذا وليد ثقافة المجتمع الإستهلاكية , مما جعل جرأة الناس تزداد على اتخاذ القرارات المصيرية بدم بارد ومنها قرار الطلاق دون تحسب لعواقبه.
ويقول الشيخ سالم الدوبي الواعظ  بدائرة الشئون الإسلامية بالشارقة- أكثر أسباب الطلاق هو الإعلام ,فالمسلسلات الموجهة للمجتمع,دائما ما تعرض المشكلات الأسرية , التي تؤدي إلى الطلاق, ولكنهم لا يجدون حلول لرأب الصدع داخل الأسر, بل يكون الطلق هو أول الحلول وأسهلها.
ومن أسباب الطلاق أيضا ضعف التوعية التربوية, السابقة للزواج,فتدخل الفتاة الحياة الزوجية ,وهي تظن إنها حياة رومانسية بعيدة عن الواقع...ثم تصطدم بالواقع, وهي تريد زوجا رومانسيا كما في الأفلام, وأيضا الزوج يريد المرأة المتزينة التي يراها في وسائل الإعلام .
ومن الأسباب أيضا تدخل الحماة- أم الزوج أو الزوجة – في كل صغيرة وكبيرة في حياة الزوجين بلا مبرر.
ويقول بعد حدوث الطلاق, فلا ننسى الآية الكريمة( ولا تنسو الفضل بينكم) , فلا يجب أن يؤدي الطلاق إلى قطيعة رحم ,إذا كان زواج أقارب , وألا تكون المرأة متعسفة في حق الحضانة, بأن تمنع الأطفال من رؤية أبيهم , لأنه يجب أن يكون للأب دور توجيهي للأبناء لأنه بعيد عنهم. وتؤكد الدكتورة فاتن عبد الفتاح أستاذة الشريعة  , أن: معظم شبابنا لم يُنزِلوا العلاقة الزوجية مكانتها في شريعتنا ويكفينا أن الله عز وجل وصف هذه العلاقة بالميثاق الغليظ .. بل وصل الاستهتار في تصور البعض للزواج أنهم اعتبروه مجرد استمتاع جنسي حتى يقضي من زوجه وطرا ثم يلقي بها إلى سلة المطلقات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق