الأربعاء، 22 فبراير 2012

الحج....سُنة أبينا إبراهيم


بقلم: سوسن سحاب
 الحج سُنَّة أبينا إبراهيم

جاء إبراهيم أبو الأنبياء عليه السلام بهاجر وبإبنهما إسماعيل من فلسطين وهي تُرضعه, وأسكنهما في ذلك الوادي الذي يفتقر لكل معاني الحياة فليس به أي إنسان لعدم وجود الماء, ثم تركهما ووضع عندها جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء....وهمَّ عائدا إلى فلسطين, فقالت له هاجر: يا إبراهيم إلى أين أنت ذاهب وتتركنا بهذا الوادي الذي لا أنيس فيه؟؟ ولمَّا لم يرد عليها قالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم, قالت: إذاً لا يضيعنا.
وانطلق إبراهيم حتى وصل إلى حيث لا تراه هاجر...فاستقبل البيت ودعا ربه وقال:"ربنا إني أسكنت من ذرّيَّتي بوادٍ غيِر ذي زرعٍ عند بيتكَ المحرَّم رَّبنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" إبراهيم 37
وبقيت هاجر وابنها ثم نفذ ما معها من الماء!!!فأخذت تبحث عنه وتسعي بين جبلي الصفا والمروة تصعد وتهبط الجبال الصخرية التي أدمت قدميها...تلفحها شمس الصحراء القاسية وتحركها غريزة الأمومة علّها تجد أحدا يعطيها ماء لصغيرها ولها, وهنا جاءها جبريل عليه السلام وحفر لها بجناحيه بئر زمزم فشربت وأرضعت صغيرها, وقال لها لا تخافوا الضيعة فإن هذا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله.
رب إجعل هذا البلد آمنا
واستجاب الله تعالى لدعوة نبيه إبراهيم عندما ترك أهله - إمرأة وحيدة ورضيعها- في صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء ولا حتى أي أنيس, وقبل أن يتركهم ويرحل دعا ربه أن يجعل هذا البلد آمنا وأن يرزقهم من الثمرات, وقال تعالى: "وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات" البقرة 126 , ودعا الله أن تتوفر لهم الأنس والصحبة ويحبهم الناس وقال تعالى: "فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" إبراهيم 37.
وهذا التعبير القرآني غاية في الرقة والروعة فهو يصور القلوب وهي رفرافة مجنحة تطير إلى ذلك البيت وأهله في ذلك الوادى الجديب.
 وأجاب الله دعاءه فأخرج من ذرية إسماعيل عليه السلام, محمدا صلى الله عليه وسلم حتى دعا ذريته إلى الإسلام ملة أبيهم إبراهيم فاستجابوا له, وفرض الله حج هذا البيت الذي سكنت به ذرية إبراهيم وجعل فيه سراً عجيبا جاذبا للقلوب, مَن زاره مرة تهفو نفسه إليه ويشتاق قلبه للعودة مرات ومرات .
وكان هناك بيت من قبيلة عرب رُحَّل اسمها "جُرهَم" يتنقلون من مكان إلى آخر بحثا عن الماء, نزلوا أسفل مكة فرأوا طائرا عائدا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء, وكانوا يعلمون أنه لا يوجد ماء بهذا الوادي فأرسلوا من يأتيهم بالخبر اليقين.
عاد رسولهم يخبرهم بوجود بئر زمزم...فذهب أهل جرهم إلى أم إسماعيل وقالوا لها أتأذنين أن ننزل عندك؟ قالت: نعم, ولكن لا حق لكم في الماء عندنا. فقالوا: نعم, فنزلوا وأحضروا أهل قبيلتهم كلهم.
سعدت هاجر بهذه الصحبة , التي ستخفف عليها وعلى ابنها مرارة الوحدة المؤلمة, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس".
وشبَّ إسماعيل وتعلم اللغة العربية من جُرههم وعندما كبر زوجوه منهم.
وقد كان إيمان هاجر رضي الله عنها بالله كبيرا وثقتها أن الله تعالى لن يضيعها ولن ينساها هي وإبنها لا حدود لها, وقد كافأها الله تعالى بأن جعل المسعى الذي سعت فيه وحيدة ضعيفة – جبلي الصفا والمروة- شعيرة من شعائر الحج والعمرة ومكانا يتذكرها فيه الناس كل لحظة إلى يوم القيامة.
ومن منَّا ذهب لأداء الحج أو العمرة وسعى بين الصفا والمروة....ومشى على أرض ملساء ناعمة ومكان مغلق مكيف ولم يتذكر السيدة هاجر رضي الله عنها؟؟؟؟؟  
    
ذبح الأضاحي

قصة ذبح الأضاحي تعيد الأذهان إلى قصة الذبيح إسماعيل عليه السلام, ولو أطلقنا على هذه القصة اسما آخر لكان "التسليم المطلق لله" وهذه أهم قيمة إيمانية إنسانية، وهى صفة لا تتحقق إلا إذا استطعنا تحقيق تكاليفها, والتسليم هنا معناه الانقياد التام بلا معارضة- كما عرفه الجرجاني في كتابه (التعريفات)- وهو الانقياد لأمر الله تعالى وترك الاعتراض فيما لا يلائم، واستقبال القضاء بالرضا، وعرفه أيضا, بأنه الثبوت عند نزول البلاء.
وهذا يعني أن التسليم لا يتجلىَّ إلا وقت الشدائد ولا يظهر إلا عند عظائم الأمور, فتجد نفسك تنطق "أسلمت أمري لله".
ولقد تجلى التسليم لله في أروع معانيه في قصة ذبح إبراهيم لابنه اسماعيل-عليهما السلام- وبدأت القصة عندما رأى نبي الله إبراهيم في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل- ولما كانت رؤيا الأنبياء حق- فإن إبراهيم عليه السلام لم يشك لحظة في صدق الرؤيا, بل امتثل لأمر ربه صابرا محتسبا وقصها على ولده اسماعيل "قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى" الصافات 102
تقبل إسماعيل الأمر بالتسليم المطلق لأمر الله وأعان أباه على طاعة الله, وقال "يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين" الصافات 102
وأيضا من تمام التسليم المطلق لله أن إبراهيم عليه السلام أخذ ابنه الوحيد, الذي أتاه على الكبر, وخرج به إلى "مِنى" وعندما أسلما أمرهما لله, وهمَّ إبراهيم بذبحه "فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ" الصافات 103 - تلَُه للجبين أى كبّه على وجهه- حتى لا يرى عينيه أثناء الذبح فتغلبه عاطفة الأبوة فيخالف وحى ربه فى أمره فيتردد أو يتراجع, وأخذ السكين بيده ووضعها على عنقه فما ذبحت ولا جرحت. وهنا نودي من السماء "وناديناه أن يا إبراهيم* قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين* إن هذا لهو البلاء المبين* وفديناه بذبح عظيم*" الصافات104-107.
والتفت إبراهيم عليه السلام فوجد كبشا أبيضا أقرنا فذبحه بيده فداءً لولده وأصبحت سُنَّة ذبح الأضحية في يوم النحر"عيد الأضحى" باقية إلى يوم الدين, وأصبح الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام أروع مثلين في التضحية والإمتثال والتسليم المطلق لأمر الله.
الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق عليهما السلام
بشر الله إبراهيم باسحاق مكافأة له على طاعته وصبره
يقول اليهود أن الذبيح هو إسحاق!! وهذا خطأ فاحش لأن إسحاق لم يكن قد وُلد بعد, بل لقد بشر الله إبراهيم باسحاق مكافأة له على طاعته وصبره على هذا البلاء المبين, "سلام على إبراهيم* كذلك نجزي المحسنين* إنه من عبادنا المؤمنين* وبشرناه بإسحَق نبيا من الصالحين*" الصافات 109- 112.
الأضحية سنة مؤكدة
هل على كل بيت مسلم أضحية؟
الأضحية سنة مؤكدة في معظم المذاهب على القادر، وفي الحديث "من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا", ويجب على المضحي أن يقسم أضحيته أثلاثًا ثلث لنفسه وأهله وثلث لمن حوله من جيرانه- مسلمين أو غير مسلمين- وثلث للفقراء والمساكين, وهكذا فإن الإسلام فرض على القادر أن يتشارك طعامه مع جيرانه أيا كانت ديانتهم ومع الفقراء والمساكين.
وفي الحج فإن الذبح هو ركن من أركان الحج بالنسبة للمتمتع والمقرن, ويسمى "هَدْيا" ويذبح الهَدي في "مِنى",وهي نفس المكان الذي شهد قصة "إسماعيل الذبيح".

رجم الجمرات
غير المسلمين يظنون أننا نقذف الحجارة في الهواء على شئ وهمي, وأنا بدوري أريد أن أسألهم هل رأى أحدا الشيطان من قبل؟
والإجابة بالطبع لا, ولم نسمع من قبل عن أحد رأى الشيطان. ونحن لا نقذف الحجارة على شئ وهمي بل نحن- معنويا- نرجم (إبليس) الشيطان الرجيم.
سبع حصيات لرجم الشيطان
والسبب في رجمه أنه عندما أخذ إبراهيم عليه السلام ابنه, إلى "مِنى" ليذبحه؟عرض له الشيطان – أي اعترض طريقه- وأخذ يوسوس له ويثنيه عن عزمه حتى يعصى أمر الله ويحيد عن الطريق المستقيم.
فذهب إبراهيم بابنه إلى جمرة العقبة فسبقه الشيطان وجعل يغريه ويذكره بإنه إبنه الوحيد الذي أتاه في الكبر وأنه سنده الوحيد, فأخذ إبراهيم سبع حصيات ورمى بها الشيطان, ثم ذهب وأتاه عند الجمرة الوسطى فرماه إبراهيم أيضا بسبع حصيات.
ولو كان النبي إبراهيم عليه السلام رأى إبليس ورجمه...فنحن نرجمه أيضا اقتداء بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وسُنَّة أبينا إبراهيم عليه السلام في عداوته للشيطان ورميه وقال تعالى"قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم".
الشيطان يؤذيه طاعة المؤمنين لربهم
 ونحن ولو كنا لا نرى الشيطان فإنما هذا الرجم رجما معنويا لأن الشيطان يؤذيه طاعة المؤمنين لربهم وامتثالهم لأوامره بالإضافة إلى ما يشتمل عليه رجم الجمرات من التكبير والدعاء وهذا ما يؤذي الشيطان ويجعله يتصاغر.
فالرمي رمز وإشارة إلى عداوة الشيطان التي أمرنا الله بها في قوله تعالى "إن الشيطان لكم عدوٌ فاتخذوه عدواً".
وكان إبراهيم عليه السلام يتردد على الوادي لرؤية ابنه وزوجه مرات عديدة وفي إحدى هذه المرات أمره الله تعالى ببناء البيت الحرام "الكعبة المشرفة" فامتثل إبراهيم لأمر ربه وعاونه ابنه اسماعيل في بناء الكعبة فقال لابنه: إن الله أمرني أن أبني له بيتا فقال إسماعيل: أطع ربك عز وجل, قال: وقد أمرني أن تعينني عليه, قال: إذن أفعل, فامتثل إبراهيم لأمر ربه وعاونه ابنه اسماعيل في بناء الكعبة, وكانا يدعوان ربهما: "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" البقرة 124 .
ولما فرغ إبراهيم الخليل من بنائها جاءه جبريل وعلمه المناسك وأمره أن يؤذن في الناس بالحج فقال إبراهيم: "وما يبلغ صوتي" فقال الله تعالى: "أذِّن يا إبراهيم وعلىَ البلاغ" فوقف على جبل أبي قبيس الذي يشرف على الكعبة- وهو أول جبل وضعه الله في الأرض- وأخذ ينادي "يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا", فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأجابه من كُتِب عليه في علم الله أنه يحج إلي يوم القيامة "لبيك الله لبيك".
الكلمة الأخيرة:
"وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" البقرة 127.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق