الأربعاء، 22 فبراير 2012

عمرة العشر الأواخر



ذكريات عمرة العشر الأواخر من رمضان
  

ربِ زِد هذا البيت تعظيما وتكريما ورفعة ومهابة
نُشهد الله أنك أبلغت الرسالة وأديت الأمانة

نوينا الذهاب لعمرة العشر الأواخر من رمضان الماضي....وطلبا لزيادة الأجر فقد قررنا الذهاب بالحافلة (الأتوبيس)...في الموعد المحدد للرحلة منتصف ليلة الخميس ذهبنا ولكن تأخر الأتوبيس ساعتين وأكثر لبعض الإصلاحات!!!!
تحرك الباص أخيرا وبدأ العرق يتصبب من الجميع....وتساءلنا فقال السائق عندما يسخن الباص سيبدأ المكيف بالتبريد ومرت أكثر من ساعة حتى وصلنا أبوظبي والحر يزداد...
وقفنا في أول استراحة وبدأوا في تصليح عطل المكيف لأكثر من خمس ساعات!!! ثم تحركنا في الثامنة صباحا ولا فائدة.
أصبح الجو خانقا وبدأت حرارة الشمس في التصاعد...وأحسست أن كل نقطة ماء في جسدي قد جفت....اللهم إني صائمة؟!!
وبدأنا نشم رائحة سيئة...رائحة دخان سجائر, فقد بدأ السائق بالتدخين وعندما تشاجرنا معه أن يحترم رمضان والصائمون ناهيك عن جو حارق لا يحتمل مزيدا من الدخان,فقال بكل تبجح:رخصة ورب العالمين أعطاني إياها...فقلنا له ولكن ربك لم يقل لك إإذ نفسك وغيرك, بجانب أن التدخين ممنوع في الأماكن المغلقة بالإضافة إلى العقوبة المشددة في نهار رمضان. فقال يحذرنا بأنه لا يستطيع التركيز في القيادة بدون تدخين!! وإذا لم نتركه يدخن فقد ينام ويصطدم بإحدي السيارات.
ووضعنا بين خيارين إما الموت السريع بدون تدخين أو الموت البطيء بالتدخين فاخترنا البطيء......صاغرين.
بعد ساعات وصلنا مدينة الإحساء السعودية وتأخرنا عدة ساعات لإصلاح الباص....ثم تحركنا وبعد ساعتين توقفنا حتى ينام السائق- والمفروض أن توفر الحملة سائقين لتبديل القيادة أثناء الرحلة- 3 ساعات واستكملنا الرحلة الشاقة بدون نوم وبلا خدمات نظيفة على الطريق....أحرمنا من السيل الكبير ووصلنا مكة يوم السبت عصرا.
وضعنا أغراضنا في غرفة الفندق ثم توجهنا فورا لأداء مناسك العمرة ونحن صائمون. كان الطريق إلى المسجد الحرام مزدحما إزدحاما شديدا لم أره من قبل في أم القرى, دخلنا الحرم وما أن ترى الكعبة المشرفة حتى تنسى كل همومك وتريد احتضانها بعينيك...تجذبك مثل المغناطيس فلا تستطيع النظر أو الالتفات لشيء غيرها....ودعونا اللهم زد هذا البيت تعظيما وتكريما وتشريفا ورفعة ومهابا.
كانت صغيرتي منهكة لا تقوي على تكملة الطواف وهي صائمة فكنا نشجعها ونبلل وجهها بماء زمزم حتى استطاعت بفضل الله تكملة الطواف...أُذِن لصلاة المغرب فأفطرنا والجميل في الحرم أن الكل يفطر معا ونفس الشيء تمر وماء زمزم.
بعد الإفطار سعينا بين الصفا والمروة في البدروم "المسعى الجديد" ولأول مرة لا أجد إزدحاما في السعي بل كان مريحا....ولا يمكنك في هذا المكان ألا تذكر السيدة هاجر وقصة سعيها بين جبلي الصفا والمروة بحثا عن الماء الذي مازال يروينا ويشفينا حتى يومنا هذا وإلى ما شاء الله.
 في اليوم الثاني من العشر الأواخر بدأ الإزدحام يزداد بصورة غير طبيعية حتى على بعد أكثر من كيلومتر عن الحرم وحين تقام الصلاة يقف الناس للصلاة في كل الشوارع المحيطة- لأن مكة كلها حرم- وبالطبع يكون الوصول للحرم في هذا الوقت ضربا من الجنون لأنه من المستحيل أن تجد مكانا وهذا ما حدث معنا أكثر من مرة حتى أصبحنا من بعدها نقف مسرعين لنحجز مكانا متميزا على الرصيف.
وقد أصررنا يوما أن نصلي العشاء والقيام داخل الحرم ومنعنا العسكر على عدة أبواب من الدخول بسبب الزحام, ثم دخلنا من باب العمرة وحاولنا أخذ مكان ولكن هيهات فالعسكر يمنعون الناس من التواجد في الطرقات- منعنا لإعاقة الحركة- وأذن العشاء وأقيمت الصلاة, ونحن نُدفع دفعا من مكان لآخر وبدأت صلاة القيام ونحن لم نصلي فرض العشاء بعد!!!! فإضطررنا للخروج والصلاة في الشارع.
والسبب في الزحام الشديد ليس فقط كثرة الناس ولكن أيضا سلوكهم ؟؟!! فعندما تدخل المسجد الحرام بعد الصلاة وبعد خروج مجاميع الناس ترى أطنانا من الحقائب والسلال والوسائد والبطاطين وجميع أحجام عبوات الماء من نصف لتر حتى الجالون وكل ما يلزم للإعاشة اليومية داخل المسجد, وإذا سألت أحدهم أن يُنح أغراضه جانبا ويفسح لك مكانا فإنه لا يعيرك انتباها وكأنك تتحدث إلى نفسك....
بعد عدة أيام قضيناها في مكة....حاولنا في آخر يوم فيها الدخول للمسجد الحرام لرؤية الكعبة المشرفة ووداعها....والدعاء لكل من أوصاني ومن لم يوصني بالدعاء عندها.
تأهبنا للذهاب للمدينة المنورة, وقد تم إصلاح الحافلة والحمد لله وأصبح مكيف الهواء بلا مبالغة مثل "الفريزر" بعض الناس أعجبها الحال والبعض أصيب بالأنفلونزا.
وصلنا المدينة ونفس الزحام الشديد, وتوجهنا لمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مواعيد زيارة الروضة الشريفة للنساء بعد صلاة الظهر فذهبت من الصباح الباكر لأجد مكانا داخل المسجد, وبعد الصلاة انتظرنا حوالي ثلاث ساعات لفتح الأبواب للروضة.
تأملت آلاف النساء ممن حولي من كل بلاد المسلمين جاءوا لما جئت من أجله...تأملت العجائز اللائي تحملن المشقة والزحام...وبعضهن لم تقو على التحمل ففقدن الوعي...من غيرك يا حبيبي يا رسول الله يأتي إليه يوميا الملايين من البشر لزيارته؟؟؟
فُتحت الأبواب فتدافعت النساء وتسابقن على الدخول, وفي الدخول للروضة لا تجد نفسك تمشي منفردا بل مندفعا بقوة الجموع.وفجأة وجدت نفسي داخل الروضة الشريفة وأمامي قبر الرسول صلى الله عليه وسلم, لا تستطيع في هذا الموقف إلا أن تبكي وتترك دموعك تنهمر وتطهرك من داخلك...سلمت عليه صلى الله عليه وسلم وأشهدت الله أنه أدى الأمانة وأبلغ الرسالة وهدى الأمة وأزاح الغمة, وسلمت على صاحبيه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. صليت ركعتين ثم خرجت من الروضة وأنا أتمنى أن أبقى فيها للأبد.
ذهبنا للمزارات وكان أولها مسجد قباء أول مسجد بني في الإسلام والصلاة فيه تعدل عمرة, ثم ذهبنا لمسجد القبلتين, وزرنا شهداء أحد وغزوة الخندق.
 حزمنا الحقائب استعدادا للعودة لمدينة الشارقة وكانت رحلة العودة أيسر وأسهل والحمد لله, ولكن الانتظار على الحدود كان طويلا نظرا لكثرة السيارات الخاصة التي كانت تصطف على طول كيلومترين تقريبا!!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق