جوهر الصدق...أن تصدق حيث لا ينجيك إلا الكذب
الصـــدق....مُنَجِّي
بقلم: سوسن سحاب
لا تعلموا
أبناءكم الكذب
إشتكت إحدى الصديقات من أن طفلها يكذب في كل شيء- بشكل
يدعو للقلق- في الصغيرة والكبيرة وفي الجد والهزل، فقلت لها الطفل كالورقة البيضاء
لا نقرأ فيها إلا ما كتبناه نحن بأيدينا, فإبحثي عمن كتب كلمة "الكذب"
في هذه الصفحة البيضاء.
وأشهر كذبة...إذا جاء إتصال هاتفي(بابا ليس في المنزل)
أو (ماما ليست موجودة) كل هذا وغيره يُعلم الأبناء الكذب.
فقبل أن نسأل لماذا يكذب
أبناءنا؟؟ علينا أن نعلمهم الصدق...فالصدق وليد الشجاعة والكذب ابن الخوف، فالصادق
لا يهاب شيئا ولا يخاف أحدا بل يتحمل مسئولية ما فعل.
مثال:إذا فعل الابن شيئا خطأ
وأخبر أهله - هنا يأتي دور الأهل- فلو استمعوا له وإحتووه ونصحوه بكيفية تصحيح
الخطأ فإنه بذلك لن يكذب أبدا لأنه دائما ما يجد من يستمع له ويصحح له خطأه في
الوقت المناسب، وعلى العكس فهناك بعض الأهل الذين يعنفون أبناءهم أويعاقبونهم أو
يسخرون منهم لو أخبروهم بأي خطأ ارتكبوه... ولذلك فإن الأبناء يكذبون ثم يعتادوا
الكذب بسبب الخوف...الخوف من افتضاح أمرهم أو من العقاب أو من سخرية الآخرين..
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالصدق "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، ووصف الصادقين بالتقوى "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون".
وعن عبد الله بن عامرر ضي الله عنه قال :دعتني أمي يومًا -ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في
بيتنا- فقالت:تعالَ أعطِك، فقال لها: "ما أردتِ أن
تعطيه؟". قالت: أردتُ أن أعطيه
تمرًا.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أما إنك لو لم تعطِه شيئًا كُتِبَتْ عليك كذبة" ونفهم من هذا الحديث أنه لو وعدت ابنك ولم
تف] بوعدك فإن هذا يُعدُّ كذبا حتى لو وعدته بتمرة.
ولا يجوز أيضا الكذب للسخرية وإضحاك الناس، وقد نهى النبي صلى
الله
عليه وسلم عن ذلك فقال: "ويل للذي يحدِّث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب، ويل
له ويل له".
الكذب
المباح
رخص رسول الله
صلى الله عليه وسلم ثلاث حالات فقط للكذب الذي لا يعاقب عليه الله بل يؤجر
عليه، وأولها الصلح بين المتخاصمين فيحاول أن
يصلح بينهما بالكلام الودود حتى ولو لم يقولاه، وألا ينقل لأحدهما كلمة سيئة قالها
الآخر عنه.
والثانية الكذب
على الأعداء، فإذا وقع المسلم في أيدي الأعداء
وطلبوا
معلومات عن بلاده، فعليه أن يعطيهم
معلومات
كاذبة حتى لا يضر بلاده.
وثالث الكذب
المباح هو كذب الرجل على زوجته، فهناك من الأزواج من يرى زوجته ليست جميلة وهناك
من هي أجمل منها، ودائما ما يقول لها إنها قبيحة ودميمة- على أساس أنه صادق ولا
يكذب أبدا- ولكن المفروض هنا وما سيؤجره الله عليه هو الكذب عليها وإخبارها أنها
أجمل النساء في عينيه حتى يحافظ على طيب العشرة، ونفس الأمر بالنسبة للمرأة..... وعن أم كلثوم رضي الله عنها قالت: "ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث...الحرب
والإصلاح بين الناس وحديث الرجل إمرأته وحديث المرأة زوجها".
الصدق مُنَجِّي
كان
هناك رجلا غرق في المعاصي والذنوب، وسمع الآية الكريمة "إن الله يغفر الذنوب
جميعا" فتمنى أن يتوب وحاول أن يصلح نفسه فلم يستطع، فذهب إلى أحد
الفقهاء الذي يثق بهم....فنصحه الشيخ أن يفعل ما يريد بشرط أن يأتي إليه كل ليلة
ليخبره بما فعل طوال يومه، وعاهده أن يصدقه القول في كل مافعله ولا يكذب أبدا.
خرج
الرجل وهو عازم على الصدق مع الشيخ وألا يكذب عليه في أي شيء، وكلما هم الرجل بفعل معصية ما...تذكر عهده للشيخ بأنه
سيخبره بكل ما حدث فيحجم عن فعل المعصية، وظل
الأمر هكذا...حتى قال الرجل لنفسه إذا كنت أستحي أن أفعل المعصية حتى لا أخبر
الشيخ، أفلا أستحي من الله؟؟؟؟
وعلم الرجل أن الصدق مع النفس هو أول خطوات النجاة
من المعاصي، لأن
الصدق طمأنينة ومنجاة في الدنيا والآخرة، وقال صلى الله عليه وسلم:
"تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه
الهَلَكَة، فإن فيه النجاة".
جوهر الصدق
والصدق
هو قول
الحق ومطابقة الكلام للواقع وعرَّفـُه الجرجاني في كتابه التعريفات بأنه "قول الحق في مواطن الهلاك"
أو "أن تصدق في موضع لا ينجيك منه إلا الكذب".
وقد وصف الله
تعالى نفسه بالصدق "ومن أصدق من الله قيلا" وكان الصدق صفة لازمة للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان قومه
ينادونه بالصادق الأمين، وكذلك أثنى الله
على كثير من أنبيائه ووصفهم بالصدق، فقال تعالى عن إبراهيم "واذكر في الكتاب
إبراهيم إنه كان صديقًا نبيًا",وعن إسماعيل "واذكر في الكتاب إسماعيل إنه
كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيًا" وقال عن يوسف "يوسف أيها الصديق" وقال تعالى عن إدريس "واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقًا نبيًا".
وقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالصدق "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين"، ووصف الصادقين بالتقوى "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون".
وأعظم مكافأة
للصادق هو أن تكتبه الملائكة عند الله "صدِّيقا" وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الصدق يهدي إلى البر
وإن البر يهدي إلى الجنَّة، وإن الرجل
ليَصْدُقُ حتى يُكْتَبَ عند الله صِدِّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل
لَيَكْذِبُ حتى يكْتَبَ عند الله كذابًا"
متفق عليه.
أنواع الصدق
الصدق مع الله: وهو أن يكون عمله كله لله....فلا رياءٌ ولا نفاق، ومن عمل عملا لم يخلص فيه النية لله لم يتقبل الله منه
عمله، كالذي يصلي متورعا أمام الناس فقط، أو كالذي يتصدق ويكاد يقول للناس أنظروا
ماذا أفعل!! بل يجب أن يصدُق الله في جميع الطاعات حتى يستحق قوله تعالى"مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ".
الصدق مع الناس: فلا يكذب في حديث مع أناس يثقون به، وقال
النبي صلى الله عليه وسلم:"كَبُرَتْ
خيانة أن تحدِّث أخاك حديثًا،هو لك
مصدِّق
وأنت له كاذب".
الصدق مع
النفس:فالمسلم
الصادق لا يخدع نفسه، بل يعترف بأخطائه وعيوبه،
لأن الصدق طريق النجاة، وقال صلى الله عليه وسلم:"دع
ما يُرِيبُك إلى ما لا يُرِيبُك، فإن الكذب ريبة
والصدق
طمأنينة".
الكلمة الأخيرة:
وعد الله
تعالى الصادقين يوم الإمتحان بالجنة في ذلك اليوم الذي لن يجتازه إلا من نجح
بامتياز في مادة الصدق "قال الله
هذا
يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق