أنا من القـــاهــــرة
18- الدم العــــربي
أنا من جيل وُلـِد في فترة انتصارات، فقد كانت حرب أكتوبر حديثة العهد ونحن صغار...وكان الانتصار عظيما ومدويا, لذا ظل الحدث لسنوات طويلة هو المحور الأساسي والمحرك الرئيس لموضوعات التعبير في اللغة العربية أو كما كنا نسميه "الإنشاء".....
وكل سنة تأتي حرب أكتوبر في الإمتحان كنت أكتب نفس الموضوع والحمد لله دائما ما أحصل على الدرجة النهائية.
والسبب في ذلك أن وقت الحرب كان وقوف العرب بجوار مصر وقوفا مشرفا وكانت مقولة الشيخ زايد - رحمه الله- النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي!!!!! لم تكن فقط كلاما بل فعلا, فقد بادر بقطع النفط عن دول العالم المساندة لإسرائيل مما شكل ضغطا فاعلا على الدول العظمى.
وأصبح الشيخ زايد – رحمه الله- هو حديث الشارع المصري وأكاد أجزم أنه كان حديث العالم كله....وأصبح الكثير يتساءل من هو الشيخ زايد؟؟؟؟؟ أين تقع دولة الإمارات؟؟؟ فقد كانت الإمارات مازالت دولة تحبو لم تبلغ عامها الأول بعد اتحاد اماراتها المتفرقة.... لذا لم يكن يعرفها الكثير.
وبعد مرحلة الانفتاح وسفر المصريين لدول الخليج سافر أخواي محمود وتوأمه سعاد للعمل في دولة الإمارات، ثم بدأ جذب أختيين أخرتين للذهاب هناك أيضا وبدأ البيت يفرغ من سكانه رويدا رويدا.
وفي الإجازة الصيفية للصف الثالث الإعدادي دعاني إخوتي للسفر لمدة شهر، فقضيت أجازتي في أبوظبي في شهر يوليو...
أوصلني أهلي للمطار وتم تسليمي للمضيفة التي ستتولى الاهتمام بي في الطائرة وتسلمني لإختي التي كانت تعمل مضيفة في مطار أبوظبي.
ركبت الطائرة وكنت سعيدة جدا ولم أكن خائفة بالمرة، على العكس كنت أشعر بمتعة غريبة أني فوق السحاب وبمفردي.
وبعد ما يقرب من أربع ساعات هبطت الطائرة مطار أبوظبي،استقبلتني أختي بالأحضان وخرجنا من المطار.
كان وقت الظهر وكانت البلد تكاد تكون فارغة إلا من بعض السيارات، والجو شديد الحرارة والرطوبة مرتفعة جدا وبمجرد خروجي من المطار لم أستطع التنفس من شدة الرطوبة كأني أتنفس تحت الماء.
وصلت بيت إخوتي وكان في منطقة الخالدية في قلب العاصمة أبوظبي وكان بيتا واسعا من طابق واحد، في منطقة كلها بيوت أو فلل من طابق أو طابقين.
كان هناك بعض الجيران المواطنين، وكانت هناك عفراء التي تصاحبت مع أمي عندما ذهبت من قبل، وكانت سيدة لطيفة وكريمة ودائما ما كانت ترسل لنا من الأكلات الشعبية الإماراتية كالهريس والبرياني وغيرها.
وقد فوجئت أن معظم جارتنا مصريات متزوجات من مواطني دولة الإمارات، وكانت النساء أغلبهم فتيات صغيرات السن تقريبا في نفس عمري ولكن من محدودي التعليم أو الأميات وكلهم من مدينة الحوامدية وكل سيدة متزوجة من كهل يكبرها بخمسين أو ستين عاما، وكان بالرغم من أعمارهن الصغيرة لكن كل منهن لها عدة أطفال أكبرهم يكاد يقاربها طولها ويبدو أنه أخاها الصغير.
كانت الفتيات يبدو عليهن البؤس الشديد وقلة الحيلة ويُعاملن من الزوج معاملة الخدم في المنزل، لكن عندما تذهب للسوق تتحدث بغرور وتحاول تقليد لهجة أهل البلد كأنها ليست وافدة مصرية..
كان في كل منطقة محل بقالة صغير لشراء مستلزمات البيت، وكان الجنيه المصري يساوي وقتها عشرة دراهم إماراتية ، وكنت أخد العشرة دراهم من أختي لشراء شيبسي وشيكولاتة باونتي أو كيت كات وزجاجة عصير مانجو، كلنت هذه أول مرة في حياتي أرى عصير المانجو في زجاجة مثل البيبسي وكان ومازال من أجمل العصائر.
كانت الفسح قليلة وهي عبارة عن مشي على الكورنيش أو الذهاب لشاطيء البحر أو حديقة الخالدية المجاورة لبيت إخوتي، ولكن كل هذا كان صعب البقاء فيه أكثر من عشر دقائق نظرا لسوء الجو.
قضيت الإجازة كلها تقريبا في البيت ومر الشهر سريعا ككل الأيام وبعدها عدت لمصر استعدادا لمرحلة جديدة في حياتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق