أنـــا مـن القاهرة
17- ساكن قصادي وبيحبني
كان الشباب والبنات في منطقتي وفي أحياء مصر كلها ، بالضبط كما تقول أغنية الجيرة والعشرة كلمات الرائع فؤاد حداد وغناء الجميل محمد منير....
(في كل حي ولد عترة وصبية حنان
وكلنا جيرة وعشرة وأهل خلان
كانت صغيرة بضفيرة، وكان هو صغير
ساعة ما تضحك مع أخوها
تلاقيـــه بيغيــر
ولما ترفع قلتهم تلاقيه عطشان
زمانه ماشي بخطوة يضم
زمانها كبرت وبقت أم )
فخلف كل شباك موارب تقف فتاة تراقب ابن الجيران اللي ساكن قصادها لتعرف أين تتجه نظراته....وكذلك يقف كل شاب في البلكونة وعيناه كاميرتا مراقبة تراقبان فتاته وكل من يرسل لها نظرات عبر حبال الغسيل...وكم كانت فرحتي كبيرة جدا عندما ذهبت إلى منطقتي بعد غياب سنين طويلة ووجدت أن معظم قصص حب الطفولة قد تتوجت على يد المأذون....
كانت أغاني عبد الحليم هي مرسال العشاق، وكان كل شاب يقف في بلكونته ومعه راديو ترانزيستور ويرفع صوت الأغاني لأقصى درجة حتى تصل لمسامع حبيبته، فيسمعها كل الجيران أيضا، وفي الغالب تنتهي الوصلة العاطفية مع صوت والده مزمجرا (اقفل الزفت ده وادخل نام ، أو اتنيل على عينك وروح ذاكر).
أما البنات...فكانت وردة (العيون السود) هي قمة الرومانسية وشادية (سونة يا سنسن لأي حبيب اسمه حسن) (ويا قلبي سيبك لو افترقوا) وصباح ( كل أغاني الدلال والدلع الرهيبة مثل عاشقة ومسكينة، لأ ، وغيرها) ونجاة (آه لو تعرف) كانت هذه الأصوات المعبرة عن حالهن، وكان الكل يعيش حالة الهيام مع محطة أم كلثوم...
وعندما انتشرت أغنية نجاة الصغيرة ساكن قصادي وبحبه، كانت الأغنية الرسمية لبنات شبرا، وأكاد أجزم لبنات مصر كلها.....
فكل فتاة وجدت نفسها في هذه الأغنية، أو أحبت أن تعيش هذه الحالة من الضعف الأنثوي وذل الحب، حتى لو كانت ليس لها جيران من أصله، أو حتى كانت تسكن في قصر مهجور في الصحراء !!!!
فكانت حالة البنت العاشقة المسكينة المنكسرة التي أبتليت بعشق شاب لا يراها أساسا، وكانت تفعل المستحيل كي تلفت انتباهه، وفي النهاية أحب وتزوج فتاة أخرى وذهبت العاشقة التعيسة مثل (خيبتها) لتحضر عرسه على حبيبته....
حالة كانت جديدة تماما على الأذن المصرية، وللآن عندما أسمع هذه الأغنية أشعر بتعاطف شديد معها وتصعب عليا....لكني عمري ما تخيلت نفسي مكانها، بل صديقاتي كانوا يقولوا لي مفروض كانت غنت لك (ساكن قصادي وبيحبني)
وعندما كان تذاع تلك الأغنية على محطة أم كلثوم، كنت تشعرأنك تستمع لنشيد جماعي في كل البيوت .....
مثل وأنت نازل الصباح للمدرسة تستطيع أن تتابع أي برنامج صباحي وأنت تمشي في الطريق لأن كل الناس تستمع لنفس المحطة، فكنا نسمع في طريقنا للمدرسة بصبح عليك، والدنيا هي الشابة وانت الجدع وغيرها من برامج الإذاعة....
نسيت أن أقول أن هناك قواعد وأصول كانت تمشي عليها البنات والأولاد ، نظام واحد في كل شيء ، نفس الملابس، نفس الأغاني نفس الوقفة على الناصية، نفس تسريحة الشعر، وكانت البنات تذهب للكوافير في المناسبات الخاصة فقط، أما فرد الشعر يوميا فهو عن طريق عمل الشعر (طاقية) يلفوا الشعر الطويل حول الرأس حتى يتخذ شكل الطاقية ويثبتوه ببعض بنس الشعر، أما الشباب فكانت موضة الشعر شيء من اثنين إما (كانيش) وهو الشعر الكثيف مثل شعر الأفارقة، والطريقة الثانية هي دهن الشعر بالفازلين ثم وضع شراب فيليه حريمي عليه لتنعيمه....
وهكذا كنت ترى الشاب يقف في البلكونة معه الراديو الترانزيستور أو الكاسيت وفوق رأسه شراب فيليه من بقايا شرابات أخته أو والدته.......
من زمان وأنا دايما أحكي
لما ح أكبر حنسى كل الذكريات
الطفولة والشقاوة
وعمر فات
حنسى حتى....
ولاد الحتــة
اللي حاموا كتير ورايا
في كل حتة
اللي ياما اتخانقوا عشاني ...
بالساعات
واللي من صغري قالولي
عنيكي بتقول حكايات
وأنا مانكرش حاجة فيَّ
كنت شايفة نفسي شوية
وكنت بفرح لما أشوفهم
بيتخانقوا عشاني
كنت أحس ساعتها إني
مفيش مني في زماني
سوسن سحاب