العنف الأسري...جاهلية العصر الحديث
اتقوا الله في أهليكم
بقلم: سوسن سحاب
الرحمة هي ما نحتاج لنشعر بإنسانيتنا
كفى بالمرء إثما أن يُضيِّع من يقوت
العنف الأسري هو جاهلية العصر الحديث, وقد أعاد إلى الأذهان صورا بغيضة من العنف قد محاها الإسلام.
فعندما بُعث الرسول صلى الله عليه وسلم كان هذا العنف متواجدا وبشدة, وأخبرنا الله تعالى في أكثر من آية عن أشد أنواع العنف الأسري وهو قتل الأبناء خوفا من الفقر, فقال تعالى "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا" الإسراء 31 .
العنف ضد الكائن الأضعف
وأيضا أخبر الله عز وجل عن العنف ضد الكائن الأضعف في الأسرة "وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت*" التكوير8 ,9 . فكانت النظرة المتخلفة للأنثى أنها الجالبة للعار, حتى جاء الإسلام فأبطل هذا المفهوم.
وكرم الله تعالى النفس البشرية بأن من قتلها بغير حق كأنما قتل الناس جميعا, كما قال تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" المائدة 32.
أسباب العنف
ونحن في هذا العصر نرى العنف الأسري بصورة مفزعة وقاتمة, ويرجع أغلبه بسبب الجهل والفقر .
وقد بيَّن الإسلام حقوق وواجبات كل فرد في الأسرة, ولكن ابتعاد البعض عن الإسلام جعل البعض يسرف في استعمال حقوقه, ويبتعد عن أداء واجباته.
وأشكال العنف الأسري إما بدنية مثل (الضرب, الإعتداء الجنسي), وإما نفسية مثل ( الإهمال, السب,الإذلال , الحرمان من التعليم) .
أولى ضحايا العنف الأسري
والزوجة هي أولى ضحايا العنف الأسري, وقد تتعرض للعنف إذا طالبت ببعض حقوقها الشرعية, وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: "قلت يارسول الله ما حق زوجة أحدنا علينا؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت, ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت". رواه أبو داود . (لا تقبح :لا تقول قبحك الله).
وتأملوا معي الحديث (ولا تضرب الوجه) لأن في ضرب الوجه منتهى الشعور بالمذلة والمهانة, وقد أمر الله تعالى الرجال بالعشرة بالمعروف: "وعاشروهن بالمعروف" النساء 19
ولا تستثنى أي أنثى من العنف الأسري, بداية من الأم والزوجة والأخت والإبنة, حتى الخادمة التي قد تتعرض للعنف من أنثى مثلها.
استوصوا بالنساء خيرا
وكانت آخر وصاياه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع هي "ألا واستوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عوان عندكم, ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة, فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح, فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا".
وفي كل كتب التفاسير (واضربوهن) معناها الضرب بالسواك ضربا غير مبرح أو موجع.
ولكن للأسف فإن بعض الرجال يستعمل هذا الحق بلا ضابط, فنجده يضرب امرأته ضرب العبيد, وفي كثير من الأحيان أمام أطفالهما, فيكبر الولد على حالين لا ثالث لهما,إما ظالما متجبرا كأبيه, وإما خانعا ذليلا كأمه, فأي تربية وأي أبناء يقدمهم الأباء والأمهات للمجتمع.
وقد تجد رجلا غير ملتزم دينيا ولا يعرف طريق المسجد ولا حتى كيف يصلي, ويضرب زوجته....فإذا سألته لماذا تضربها؟ يرد بمنتهى التبجح: القرآن والسنة يقولوا اضربوهن....كأنه لم يقرأ في القرآن والسنة غير واضربوهن!!
أتريدينني أن أنافقك؟
وأحيانا يكون العنف معنويا فيحرمها الرجل حقها في كلمة طيبة أو بسمة أو مجاملة رقيقة, ونجد الرجل خارج المنزل يسرف في توزيع الإبتسامات والمجاملات, ولكن إذا طلبت زوجته أن يثني عليها في أي شيء, فيقول لها أتريدينني أن أنافقك؟
مع أن في الإسلام حتى لو لم تكن زوجته ذات جمال فهو مطالب بأن يجاملها, ويقول لها كلاما يرضيها من أجل دوام العشرة, وعن أم كلثوم قالت: "ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث الحرب, والإصلاح بين الناس, وحديث الرجل إمرأته وحديث المرأة زوجها", أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم حرم الكذب إلا في ثلاثة مواضع, ومنها قول الرجل لامرأته: أنتِ أجمل النساء في عيني, ولو لم تكن كذلك.
كفى بالمرء إثما أن يُضيِّع من يقوت
أما العنف ضد الأطفال فأصبح اليوم يأخذ أشكالا عديدة, فبعض الآباء يحرمون أطفالهم من حق التعليم , ويدفعونهم للعمل في سن صغيرة, حتى يتفرغ الأب لملذاته بعيدا عن أي إلتزامات تجاه الطفل, بل يصبح الطفل ملتزما بإعطاء راتبه للأب الذي ضيَّعه, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثما أن يُضيِّع من يقوت" رواه أبو داود وغيره.
فواجب الإنفاق على الوالد لا على الولد, كما قال تعالى "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" البقرة 233
اعدلوا في أولادكم
وكذلك من العنف المعنوي ضد الأطفال هو في التفريق بينهم ومنح أحدهم أموال أو حتى محبة زائدة عن إخوانه, وقد حكى النعمان بن البشير رضي الله عنهما, "أن أباه أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نحلت إبني هذا غلاما كان لي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال لا, قال : اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" فرجع أبي ,فرد تلك الصدقة. (نحلت : منحت أو أعطيت)
وأيضا التفريق بين البنت والولد وتخصيص الولد بالحب والإحترام والتعليم هو من أنواع العنف, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كانت له ابنة فأدبها وأحسن دبها وعلمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه كانت له منعة وستراً من النار".
بالرفق واللين
ولهؤلاء الذين تتزايد عليهم ضغوط الحياة, ولا يجدون غيرأقرب الناس إليهم لتفريغ هذه الشحنات السلبية, أذكرهم بأن الإسلام لم يشرع الضرب للمرأة إلا لأعظم الأمور, ولم يشرع الضرب للأولاد إلا عند ترك الصلاة, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علموا الصبي الصلاة لسبع سنين, واضربوه عليها ابن عشر سنين" رواه أبو داود والترمذي.
وفي كلتا الحالتين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق واللين والضرب بأهون الأشياء وهو السواك.
من لا يرحم لا يُرحم
ويجب أن نرحم بعضنا البعض فمن لا يَرحم لا يُرحم فالرحمة هي ما نحتاج لنشعر بإنسانيتنا, وقد رفض عمر بن الخطاب رضي الله عنه, تعيين أحد الولاة لأنه عرف عنه أنه لا يُقبِّل أبناءه, وقال من لا يرحم أبناءه فلن يرحم رعيته.
أعظم النفقة
ويجب أن يعلم الأب أن ما يزرعه من بغض وكره في نفوس أبناءه وهم أطفال, سوف يحصده جفاءً وقسوةً وهم كبار وهو في أمس الحاجة إليهم, بل يجب أن يزرع فيهم الود والتراحم حتى يجدههم حوله عندما يكبر, ويدعون له ولأمهما "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" الإسراء 24
ويعلم أن كل ما ينفقه على أهله سيؤجره الله عليه أعظم أجر, وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك" رواه مسلم.