أسباب نزول سورتي الكهف والكوثر
إعداد: سوسن سحاب
الإعجاز العلمي في "ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال"
"إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى"
"ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي"
"ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى"
"ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله"
"وهذا لسان عربي مبين"
أرسلت قريش النضر وابن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة يسألانهم عن محمد صلى الله عليه وسلم....وقالوا لهما: سلاهم عن محمد, وصفا لهم صفته, وأخبراهم بقوله, فإنهم أهل الكتاب الأول, وعندهم علم ليس عندنا من علم الأنبياء.
فخرجا حتى قدما المدينة, فسألا أحبار اليهود عن النبي صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره, وأخبراهم ببعض قوله, وقالا لهم: إنكم أهل التوراة, وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا.
فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن...فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل, وإن لم يفعل فالرجل متقول فروا فيه رأيكم.
الأسئلة الثلاث
سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم؛ فإنه قد كان لهم حديث عجب!! وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه, وسلوه عن الروح ما هي؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه, فإنه نبي....وإن لم يفعل فهو رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
عاد النضر وعقبة إلى مكة وقالا: يا معشر قريش, قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد, قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها, فإن أخبركم عنها فهو نبي, وإن لم يفعل فالرجل متقول, فروا فيه رأيكم.
سؤال قريش له
جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد, أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت لهم قصة عجب, وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها, وأخبرنا عن الروح ما هي؟
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبركم بما سألتم عنه غدا" ولم يستثن- لم يقل إن شاء الله- فانصرفوا عنه.
تأخر الوحي
مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حوالي خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا, ولا يأتيه جبريل!!
فقالت قريش: وعدنا محمد غدا, واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه.
حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لتأخر الوحي عنه, وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة, ثم جاءه جبريل بسورة "الكهف" وعاتبه فيها على حزنه عليهم "لعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث آسفا", وأخبره بما سألوه عنه من أمر الله الفتية والرجل الطواف والروح.
قال ابن اسحاق ذُكر لي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل حين جاءه: لقد احتبست عني يا جبريل حتى سؤت ظنا فقال له جبريل: "وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا" مريم 64.
عتاب من الله تعالى
افتتح الله تعالى السورة بحمده وذكر نبوة رسوله - لما أنكروه عليه من ذلك - فقال "الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب" يعني محمدا صلى الله عليه وسلم - إنك رسول مني- أي تحقيق لما سألوه عنه من نبوتك ولم يجعل له عوجا قيما أي معتدلا, لا اختلاف فيه " لينذر بأسا شديدا من لدنه" أي عاجل عقوبته في الدنيا وعذابا أليما في الآخرة, "ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا" أي دار الخلد لا يموتون فيها "وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا" يعني قريشا في قولهم إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله, "ما لهم به من علم ولا لآبائهمكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا" أي أتهلك نفسك لحزنك عليهم لأنهم لم يؤمنوا؟؟
باخع نفسك: أي مهلك نفسك
قصة أصحاب الكهف
بدأ جبريل عليه السلام يجيب على أسئلة قريش, فبدأ بقصة الفتية العجيبة, "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا" أي لا تتعجب فقد كان من آياتي ما هو أعجب من ذلك, والرقيم هو الكتاب الذي رقم فيه بخبرهم, ثم قال تعالى "إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا* نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا" أي لم يشركوا معي آلهة كما أشرك قومهم آلهة غير الله.
الشطط: الغلو ومجاوزة الحق
ضربنا على آذانهم
وتفسير ضربنا على آذانهم: أن النوم لا يستحكم إلا من تعطل حاسة السمع, فلا ينقطع نوم النائم إلا من جهة الأذن, وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم "ذاك رجل بال الشيطان في أذنه" نسبة لنومه الطويل وعدم صلاته للفجر....
وفي حياتنا اليومية إذا ناديت شخصا ولم يسمعك تقول له: أأنت نائم على أذنك؟؟
ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال
"ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا"
الوصيد: الباب أو الفناء
الإعجاز العلمي في ونقلبهم
تقاربت أقوال المفسرين في أسباب التقليب وعدد مراته وكيفيته, وهو أن تقلُّبهم كان لجهة اليمين واليسار والذي يقلبهم هو الله سبحانه بإرسال ملك لتقلبيهم, وأن التقليب كان مرتين في كل سنة, وعللوا ذلك التقليب كيلا تأكلهم الأرض....وقال ابن عباس: لو لم يقلبوا لأكلتهم الأرض.
وماذا يقول الطب الحديث اليوم وبعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة سنة على نزول الآية بخصوص من نام أكثر من أربع وعشرين ساعة – فقط- على جهة واحدة بدون تحريك...بسبب تعرضه لكسور يصعب معها تحريكه, أو فيمن تعرض لأضرار كثيرة نتيجة حادث أو حريق أو غيره؟؟؟
يقول الطب: يحدث ما يسمى بقرحة السرير وهي عبارة عن تقرحات وتموُّت في الجلد والأنسجة التي تحت الجلد بسبب نقص التروية الدموية عند بعض مناطق الجلد نتيجة انضغاطها بين الأجزاء الصلبة من البدن ومكان الإضطجاع, ولا وقاية من حدوث هذه القرح سوى بتقليب المريض بحيث لا يبقى بدون تقليب أكثر من 12 ساعة, ولم نعرف هذه الحقيقة العلمية عن تقليب المريض الذي لا يستطيع تقليب نفسه إلا في القرن العشرين...فمن الذي أخبر بها النبي الأمي قبل أربعة عشر قرنا؟؟؟
"لنتخذن عليهم مسجدا سيقولون" يعني أحبار يهود الذين أمروهم بالمسألة عنهم "ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب" أي لا علم لهم "ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا" أي لا تكابرهم ولا تجادلهم "ولا تستفت فيهم منهم أحدا" فإنهم لا علم لهم بهم.
"ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا" أي سيقول اليهود ذلك "قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا" أي لا يخفى على الله شيء مما سألوك عنه.
العتاب الرباني
"ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا" أي لا تقول لشيء سألوك عنه كما قلت في هذا إني مخبركم غدا, بدون أن تستثن مشيئة الله, أي لابد من قول إن شاء الله قبل أي عمل, وقل عسى أن يهدين ربي لخير مما سألتموني عنه.
خبر الرجل الطواف
"ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا" حتى آخر قصته...
وكان من خبر ذي القرنين أنه أوتي ما لم يؤت أحد غيره, فمُدت له الأسباب حتى انتهى إلى مشارق الأرض ومغاربها, لا يطأ أرضا إلا سلط على أهلها حتى انتهى من المشرق والمغرب إلى ما ليس وراءه شيء من الخلق.
قال ابن اسحاق: حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه أن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر اسمه مرزبان بن مرذبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح ,وقال ابن هشام: واسمه الإسكندر وهو الذي بنى الإسكندرية فنسبت إليه,وسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فقال: ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب".
ما أنزل الله تعالى في أمر الروح
وقال تعالى فيما سألوه عنه من أمر الروح: "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا".
وسأل يهود المدينة الرسول صلى الله عليه وسلم عن المراد من قوله تعالى "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا" وقالوا: أوتينا علما كثيرا...أوتينا التوراة, ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيرا كثيرا.
يهود المدينة يسألونه
فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, أتاه أحبار يهود وقالوا يا محمد ألم يبلغنا عنك أنك تقول "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا"أفعنيتنا أم عنيت قومك؟ فقال: " كُلا قد عنيت", قالوا: إنك تتلو أنا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي في علم الله قليل, وقد آتاكم ما إن عملتم به استقمتم, وأنزل الله: "ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم" لقمان 27.
وفد نصارى نجران
ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة حوالي عشرون رجلا من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة, فوجدوه في المسجد, فجلسوا إليه وكلموه وسألو- وقريش تراقب موقف النصارى علَّهم يفلحون فيما فشل فيه اليهود وهو تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم- فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا...دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن, فلما سمعوا فاضت أعينهم من الدمع, ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره.
محاولة أبي جهل ردهم عن الإسلام
فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل في نفر من قريش فقالوا لهم: خيبكم الله من ركب بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل, فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال!! ما نعلم ركبا أحمق منكم. فقالوا لهم: سلام عليكم, لا نجاهلكم, لنا ما نحن عليه ولكم ما أنتم عليه, "وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين*"القصص 55.
"جبر" الغلام النصراني
لم ينضب معين قريش فكلما فشلت خطة بحثوا سريعا عن بديل.....فبعد فشل مساعي قريش في الاستعانة بأهل الكتاب لتكذيبه, إدعوا عليه أن الذي يعلمه الكتاب "جبر" الغلام النصراني,غلام بني الحضرمي, فكذبهم القرآن ايضا "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين" النحل 103
الإلحاد: الميل عن الحق
سبب نزول سورة الكوثر
وبعد أن أفشل الله كل خططهم وسقط في أيديهم....تفتق ذهنهم عن حل سيريح بالهم وهو أن يتركوه ولا يحسبوا له حسابا,فهو رجل ليس له ولد...ولو مات – كما يزعمون - فستنهي دعوته للأبد....
وقال ابن اسحاق – فيما بلغني - قال العاص بن وائل: دعوه, فإنما هو رجل أبتر لا عقب له, لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه, فأنزل الله في ذلك"إنا أعطيناك الكوثر* ما هو خير لك من الدنيا وما فيها, "إن شانئك هو الأبتر" أي من يبغضك بالرغم من وجود أبناء ذكور له فهو نسبه مقطوع من الدنيا...........
آخـــــر الكلام
الآيات التي نزلت في وفد النصارى "الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون* وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين*......إلى قوله سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين*" من القصص 52- 55, وكذلك "ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" المائدة
82
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق