الأحد، 16 أبريل 2017

أنا من القاهرة - 19 أيام ثانوي


أنا من القـــاهــــرة
1-9 أيام ثانوي 
 

 
أيام ثانوي كانت أجمل أيام حياتي....المدرسة كانت بعيدة عن البيت وكنا نذهب بالمترو أو كما يسمى وقتها الترامواي وكانت رفيقة الدرب والكفاح هي صديقتي إيمان طاهر.
كانت مدرسة جديدة وجميلة واسمها مدرسة السيدة نفيسة بالخلفاوي، وطبعا أمي تحمست جدا نظرا لحبها الشديد للسيدة نفيسة رضي الله عنها، برغم من رغبتها أن ألتحق بالمدرسة العريقة شبرا الثانوية بنات....

لم تكن المدرسة على الشارع الرئيسي،  ولكن يفصلها عن الشارع الرئيسي معسكر للجيش كان عبارة عن أرض خلاء يحيطها سياج من الأسلاك الشائكة ومدخل على الشارع الرئيسي ومدخل أمام المدرسة، وعلى كل مدخل كشك خشبي بداخله عسكري جيش، كان الجنود أحيانا يسمحوا لنا بالمرور اختصارا للطريق خاصة عندما نتأخر عن موعد المدرسة؛ وأحيانا لا يسمحون، وكان هناك عسكري صعيدي شهم ومحترم جدا ومثل الأخ الأكبر اسمه خميس يسمح لنا بالمرور دوما وعندما يذهب في إجازة يوصي زملاؤه علينا، ودائما ما كان يحضر لنا من البلد فطير مشلتت وعسل ومش وكنا نشتري شيبس وشيكولاته من مصروفنا ونعطي لخميس...

كانت الإدارة المدرسية تشجع النشاط المدرسي خاصة في المسابقات بين مدارس الجمهورية.
وكنت طالبة متميزة في النشاط المدرسي جدا، خاصة الرسم والرياضة والإذاعة المدرسية وكتابة القصص القصيرة لفريق التمثيل.
كنت بلغة كرة القدم (صانع ألعاب) play maker  ، كل مُدرسة أو مُدرس يريدني في النشاط معهم !!!
كنت أحب الإذاعة المدرسية جداااا والمسئولة عنها وكانت المُدرسة المسئولة عن نشاط الإذاعة تعتمد عليا اعتماد كلي في اعداد الإذاعة يوميا بدون أي تدخل من جهتها فكانت تثق في ثقة عمياء والحمد لله لم أخذلها يوما.
وأذكر مرة كلمة أحد المدرسين الأوائل في المدرسة عندما قال لي : (أنا بأحضر الطابور مخصوص حتى لو معنديش الحصة الأولى فقط عشان أشوف برنامج الإذاعة بتاعك)، الجملة دي كانت أكبر وسام وأحلى جائزة وقتها خاصة أنه قالها في غرفة المدرسين أمام عدد كبير من المدرسين والمدرسات.

أما هوايتي المفضلة والنشاط الآخر الذي أجد نفسي فيه والحمد لله تميزت كثيرا فيه كان الرسم وكانت أمنيتي أن أدرس في فنون جميلة أو كلية الإعلام، وكنت أحصد كل جوائز الرسم للمدرسة وفي آخر معرض للأنشطة ولرسومات الطلبة كانت لي لوحة كبيرة فازت بالمركز الأول على مستوى الجمهورية وقتها، وكان المتوقع أن يحضر مدير المنطقة التعليمية لافتتاح المعرض وستقوم مديرة المدرسة بإهدائه لوحتي، وجلسنا في المدرسة قرابة العصر مع مدرسي الرسم لتجهيز المعرض ولصقنا الشريط الساتان الذي سيقصه مدير المنطقة على المدخل ثم أغلقنا الباب وذهب الجميع.
في الصباح ذهبت إلى المدرسة في قمة السعادة والتشوق للمعرض، وحضر مدير المنطقة التعليمية وقص الشريط وعندما دخلنا المعرض لم نجد لوحتي!!!!!! بحثنا في كل مكان في المدرسة ولا فائدة.

كانت بالنسبة لي صدمة شديدة مغلفة بسعادة وفخر وغرور .... لوحاتي بتتسرق؟؟ (زي الموناليزا وزهرة الخشخاش كده) وأطلقوا عليَّ وقتها من باب التهريج سوسن دافنشي .

فريق التمثيل بالمدرسة كان شيء محترم جدا، وكان المسئول عنه مدرس لغة عربية (ممثل مغمور وقتها سامي عبد الحليم) غاية في الاحترام والوسامة شعر أصفر وعيون ملونة، غير المفهوم السائد للشكل التقليدي لمدرس اللغة العربية وطبعا كانت حصة اللغة العربية حصة النحنحة والتنهدات من البنات لكنه بصراحة كان في منتهى الصرامة، وأخبرتني صديقة لي أنها تضع خطابات غرامية لأستاذ سامي في كراسة العربي !!!! هذه الجرأة كانت هذا أشبه بالصاعقة التي نزلت على رأسي وقتها.


الفنان سامي عبد الحليم مدرس اللغة العربية
 

بدأت مرحلة اختيار القسم العلمي أو الأدبي، وبعد مرور كل تلك السنين أستطيع القول أن هذه مرحلة تقرير مصير وأي اختيار غير مدروس ستكون عواقبه وخيمة أو على أقل تقدير ضياع حلم".
كنت متميزة جدا في اللغات الثلاث العربية والإنجليزية والفرنسية وكانت درجاتي تقارب النهائية، وكنت متفوقة جدا في التاريخ والجغرافيا وحافظاهم عن ظهر قلب وأحب دراستهم جدا، وكانت كراسات التاريخ والجغرافيا نموذج تأخذه المدرسة لتريه للفصول الأخرى....
 وكنت أكره الرياضيات (الجبر والهندسة) كرها شديدا، ودرجاتي فيهم متوسطة وكانت عقدتي في الحياة مادتي الفيزياء والكيمياء، يبقى الطبيعي إني أدخل القسم ؟؟؟؟؟؟؟
القسم الأدبي طبعا .
ولكن أمي رحمها الله وقفت لي (وقفة رجل واحد )
أمي: استحالة تدخلي القسم الأدبي، الأدبي ده للطالبات الفاشلات، أنا عايزاكي تطلعي مهندسة!!!!

أنا: مهندسة ايه أنا فاشلة في الجبر والهندسة وبعدين عايزة اطلع رسامة أو صحفية


أمي: أدخلي هندسة وبعدين ارسمي على راحتك 

أنا: أمري لله

طبعا كمية الإحباط اللي كانت عندي كبيرة جدا، وخاصة لما تكون بتذاكر عشان تحقق حلم غيرك.

في أول يوم في قسم العلمي رياضة، وكانت حصة ميكانيكا دخل مدرس الرياضيات أستاذ جرجس وكان طويل وأسمر وبشارب كث ودائم الاستهزاء والتريقة على الفاشلين في الرياضيات، أول ما دخل الصف ووجدني أمامه ابتسم له ابتسامة بلهاء نظر في سخرية وقال لي: ايه اللي جابك علمي رياضة بس؟؟
رجعت البيت محبطة جدا وقلت لماما فقالت لي لازم تثبتي له العكس، قلتلها إزاي أثبت له العكس وأنا مقتنعة باللي بيقوله؟؟

بدأت رحلة الدروس الخصوصية في الرياضيات والكيمياء والفيزياء، وطبعا الدروس الخصوصية في مصر عالم ثاني وعرفت أنه لابد أن نأخذ دروس خصوصية عند مدرس الفصل عشان أعمال السنة، أو عند مدرس مشهور في المنطقة.

كنت باخد دروس خصوصية مع زميلات لي في المدرسة، كان المدرس في شارع شبرا في عمارة عالية جدا وبها أسانسير، وكنا بنطلع بالأسانسير لكن عند النزول كنا بننزل على السلم والسبب ان صديقاتي كانوا بيدخنوا سجائر وطبعا حاولوا يأخذوني في نفس الطريق ولكن رفضت تماما، فقط كنت أأخذ قلم الروج من إحداهما وأضعه ثم أمسحه قبل ما نخرج من العمارة، وقتها كان أحمر الشفايف والماكياج ممنوع عند أمي تماما حتى في المناسبات والأفراح.

وفي مرة وضعت في البيت قليل من أحمر الخدود فقالت ايه ده اللي في خدودك؟؟ قلتلها مفيش دي حمرة الخجل ، قالت لي طيب روحي امسحي حمرة الخجل بدل ما أحمرهملك طبيعي !!!!!
وفوجئت أيضا أن بعض البنات تذهب لمقابلة حبيبها في نفس موعد الدرس!!!!
كان المكان الرسمي لمقابلة الحبيب لبنات شبرا وقتها... مكانين لا ثالث لهما.

الأول هو كازينو هابي لاند على الكورنيش في أغاخان ، وكنيسة سانت تريزا للمسيحيات ، وأذكر مرة ذهبت مع صديقة مسيحية كي تقابل شاب يريد أن يتزوجها وكان النظام وقتها حتكون لابس ايه؟ لابس بلوفر لونه كذا وانتي؟ حكون لابسة كذا وستكون معي صديقتي سوسن.... ذهبت مع فاتن للكنيسة وطبعا الطقوس المعروفة لازم ندخل الكنيسة اولا ونولع شمع لسانت تريزا... بعدها خرجنا في فناء الكنيسة لمقابلة هذا الشخص وما أن رأينا الشخص من بعيد قالت لي فاتن استحالة أحبه أو اتزوجه يلا نجري، رآها الشاب فابتسم وتقدم نحونا ثم انصدم وهو يرانا نجري وهرول وراءنا وهو ينادي فاتن فاتن سوسن فاتن استني يا فاتن ...
 
وطبعا بجانب السجاير ومقابلة الأولاد كان هناك – بالنسبة لي- ما هو أكبر من أي صدمة وهو إن البنات بتهرب من المدرسة وتنط من فوق السور !!! ومن يُكتشف أمرها كانت المدرسة ترسل خطاب لولي الأمر.
استمرت المدرسة على نفس الحال وكان أكتر ما يصبرني هو الرسم والإذاعة المدرسية، وفي يوم أحسست بوعكة صحية فاستأذنت من وكيل المدرسة أستاذ إدوارد إني أذهب للبيت وكان رجل في منتهى الود وبيحب كل الطلبة، ووافق وأعطاني إذن خروج.
وبعد خروجي من المدرسة وبالصدفة البحتة أمي كانت بجوار المدرسة فجاءت حتى تصطحبني للبيت، فقابلت أستاذ إدوارد وسألت عني فقال لها ذهبت للبيت!!
وصلت البيت وبدلت ملابسي ثم دخلت أمي وقالت إنها ذهبت للمدرسة، وفي اليوم الثاني قابلني أستاذ إدوارد وقال والدتك جاءت أمس بعدما خرجتي، قلتله ما هي روحت لقيتني موجودة في البيت، قالي الحمد لله إن ظني فيكي لم يخب.

طبعا وضحت الرؤية بالنسبة لمستواي الدراسي في المواد العلمية، وفكرت إني ألحق نفسي وأحاول أقصى جهدي عشان أدخل كلية فنون جميلة، ورحت سألت فيها عن المطلوب فقالوا مجموع حوالي 75% وقتها ، وهناك امتحان قدرات في الرسم داخل الكلية.
وقبل امتحان الثانوية العامة كان هناك امتحان القدرات الخاصة للرسم ولم أدخله على أساس أن هناك امتحان قدرات داخل كلية الفنون الجميلة نفسها.

وبعد ظهور نتيجة الثانوية العامة كان مجموعي حوالي 78% وأخدت أوراقي لتقديمها في كلية فنون جميلة ولكني فوجئت بهم يقولوا لابد من النجاح في امتحان قدرات الفنون في الثانوية العامة !!!!! كاد يغمى عليّ وقتها من الإحباط والحزن.
وحسيت إني زي المثل ما بيقول (عاملة زي اللي رقصت على السلالم لا اللي تحت شافوها ولا اللي فوق سمعوها).
يعني لا دخلت أدبي وحققت حلمي، ولا عرفت أحقق حلم أمي بدخولي علمي رياضة.
أنا الآن على مفترق عدة طرق ولا أعرف سأدخل أي كلية تحدد مصيري، كان كل حلمي كلية الإعلام أو فنون جميلة والإثنين تبخرا في الهواء....

وقفت وسط في حديقة كلية فنون جميلة كالسفينة التائهة التي تتخبطها الرياح والأمواج من كل جانب، وقلت لنفسي إذا لم تعرف في أي المدن سترسو سفينة حياتك....فكل الرياح سواء.

سوسن سحاب




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق