صيامنا وصيام الأمم قبلنا
بقلم: سوسن سحاب
قال تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون* أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر" البقرة 182 ,183 يخاطب الله تعالى المؤمنين ويأمرهم بالصيام...وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع.
قال تعالى: "يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون* أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر" البقرة 182 ,183 يخاطب الله تعالى المؤمنين ويأمرهم بالصيام...وهو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع.
الحكمة من الصيام
والحكمة
من الصيام ليست هي الإحساس بجوع الفقراء، لأن غير الفقراء يجوِّعون أنفسهم طلبا
للرشاقة.
ولكن حكمة الصيام في رأيي هي (الإمساك) عن ما أحلّ الله لنا بتهذيب النفس وتطهيرها وتزكيتها ونهرها حتى يكون إمساكها عمَّا حرم الله أهون وأسهل.
ولكن حكمة الصيام في رأيي هي (الإمساك) عن ما أحلّ الله لنا بتهذيب النفس وتطهيرها وتزكيتها ونهرها حتى يكون إمساكها عمَّا حرم الله أهون وأسهل.
الأمم قبلنا
وذكر الله تعالى أن هذا الصيام كما فرضه الله علينا فقد
فرضه على الأمم التي كانت قبلنا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صيام
رمضان كتبه الله على الأمم قبلكم".
وعندما أوجب الله الصيام لم يكن في كل يوم حتى لا يصعب على النفوس تحمله ولكن الله أوجبه في أيام معدودات (عدة أيام فقط) .
وفي بداية الإسلام لم يفرض الصوم طوال الشهر حتى لا يشق على النفوس وتضعف عن آدائه بل فرض الله تعالى الصوم في أيام معدودات فكانوا يصومون ثلاثة أيام من كل شهر مثلهم مثل الأمم السابقة وقد كان هذا الصوم مشروعا من زمان نوح عليه السلام إلى أن نسخ الله ذلك بصيام شهر رمضان.
أحوال الصيام
وقد
كان الصيام على ثلاثة أحوال...فعندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جعل
يصوم من كل شهر ثلاثة أيام وصام عاشوراء، ثم فرض الله عليه وعلى أمته الصيام "يا
أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام" إلى قوله تعالى "وعلى الذين
يطيقونه فدية طعام مسكين" فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا وأجزأ
ذلك عنه.
ثم أنزل الله "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" إلى قوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فأصبح صيامه واجبا على المقيم المعافى وأصبحت هناك رخصة للمريض والمسافر وثبت الإطعام للعجوز والمريض الذي لا يرجى شفاؤه.
ثم أنزل الله "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن" إلى قوله "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" فأصبح صيامه واجبا على المقيم المعافى وأصبحت هناك رخصة للمريض والمسافر وثبت الإطعام للعجوز والمريض الذي لا يرجى شفاؤه.
وأيضا كان في بداية الإسلام إذا أفطر أحدهم فإنه يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء فقط، فإذا نام أو صلى العشاء يحرم عليه الطعام والجماع وكان في ذلك مشقة كبيرة، فكان البعض منهم لا يستطيع التحمل وتضعف نفسه يخالف الأمر الرباني ويتناول الطعام والشراب ويجامع بعد العشاء...فخفف الله عن المسلمين وأباح الجماع والطعام والشراب في جميع الليل رخصة للمسلمين ورحمة ورأفة بهم، وأنزل الله " أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم- إلى قوله-وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر" البقرة 187 ففرح المسلمون بهذه الآية فرحا شديدا.
استحباب السحور
وعندما
أباح الله تعالى جواز الأكل إلى طلوع الفجر فهذا دليل على إستحباب السحور، وقد
حثنا النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث على السحور لأنه هو الفرق بين
صيامنا وصيام أهل الكتاب.
فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور"، وعن أنس قال: قال رسول الله "تسحروا فإن في السحور بركة"، وقال أيضا "السحور أكلة بركة فلا تدعوه، ولو أن أحدكم تجرع جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".
فعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور"، وعن أنس قال: قال رسول الله "تسحروا فإن في السحور بركة"، وقال أيضا "السحور أكلة بركة فلا تدعوه، ولو أن أحدكم تجرع جرعة ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين".
وقال تعالى مادحا شهر رمضان "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه" البقرة 185.
تنزيل الكتب السماوية
وقد
فضَّل الله شهر رمضان على سائر الشهور وإختاره لإنزال القرآن الكريم بل لقد اختص
الله تعالى هذا الشهر الكريم بتنزيل كل الكتب السماوية على الأنبياء.
وقال الإمام أحمد بن حنبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لَسِتَ مَضَيْن من رمضان، والإنجيل لثلاث عشر خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان"ن ومن حديث جابر: "أن الزبور أنزل لاثنتي عشرة خلت من رمضان".
وقد نزلت الصحف والتوراة والزبور والإنجيل على كل نبي جملة واحدة، أما القرآن فإنه نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا ثم نزل بعد ذلك مُنَجَّما مُفرّقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب الأحداث والوقائع التي تحدث للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين.
تنزيل القرآن
وفي
شهر رمضان...في ليلة القدر أنزل القرآن جملة واحدة كما ذكر الله تعالى: "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن"
البقرة 185، وقال تعالى: "إنا أنزلناه في
ليلة القدر" القدر 1، وقال: "إنا أنزلناه في ليلة مباركة"
الدخان 3.
وقد قال عطية بن الأسود لابن عباس أنه لما قرأ هذه الثلاث آيات وقع في قلبه الشك، لأن القرآن ينزل في شهر شوال وفي ذي القعدة وفي ذي الحجة وفي المحرم وفي صفر وفي ربيع، فقال ابن عباس أنه أنزل في رمضان في ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة، ثم أنزل على مواقع النجوم ترتيلا في الشهور والأيام.
وفي
رواية أخرى لابن عباس قال : نزل القرآن في شهر رمضان في ليلة القدر إلى هذه السماء
الدنيا جملة واحدة، وكان الله يُحدث لنبيه ما يشاء ولا يجئ المشركون بمَثَل إلا
جاءهم الله بجوابه، فقد أرادوا التشكيك في القرآن وقالوا لماذا لم ينزل عليه جملة
واحدة كما نزل على من سبقه من الأنبياء فرد الله عليهم " وقال الذين كفروا
لولا نُزِّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنُثَبِّت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا
يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا" الفرقان 32.
وقد أنزل الله تعالى هذا القرآن فهدى به قلوب العباد التي آمنت وصدَّقت وإتبعت الحق وكان لهذا القرآن "بينات" أي دلائل واضحة وحجج جلية لمن يتدبر معانيه ويفهم آياته، وقد جاء القرآن الكريم مُفرِقا بين الحق والباطل والحلال والحرام والهدى والضلال والرشد والغي.
واختص
الله تعالى هذا الشهر كريم بليلة لا توازيها ليلة في أي شهر آخر...بل أن هذه
الليلة بألف شهر والعمل فيها خير من عمل ألف شهر"إنا أنزلناه في ليلة
القدر* وما أدراك ما ليلة القدر* ليلة القدر خير من ألف شهر* تنزل الملائكة والروح
فيها بإذن ربهم من كل أمر* سلام هي حتى مطلع الفجر*"
وقال صلى الله عليه وسلم "قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك افترض الله عليكم صيامه تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الججحيم وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم".
وهذه الليلة تعدل عبادتها عبادة ألف شهر لقوله صلى الله عليه وسلم "من قام ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
ولكثرة بركة هذه الليلة فإن الملائكة تتنزل فيها أيضا بكثرة لأن الملائكة تتنزل مع الرحمة والبركة كما تتنزل عند تلاوة القرآن، ويحيطون بمجالس أهل الذكر والعلم .
وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إنها ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى".
وهذه الليلة كما ذكر الله تعالى"سلام هي حتى مطلع الفجر" أي سالمة من أي شيطان أن يعمل فيها سوءا أو أذى وقال قتادة وغيره تُقضى فيها الأمور وتقدر الآجال والأرزاق، لقوله تعالى "فيها يفرق كل أمر حكيم".
وعن ابن عباس، قال صلى الله عليه وسلم في وصف ليلة القدر"ليلة سمحة طلقة بلجة لا حارة ولا باردة, وتصبح شمس صبيحتها ضعيفة حمراء".
وقد شغلت هذه الليلة الناس من زمن النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقتنا هذا وكثرت عنها الأسئلة وقال مرثد: سألت أبا ذر كيف سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها، قلت يا رسول الله أخبرني عن ليلة القدر أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال "بل هي في رمضان" ,قلت تكون مع الأنبياء ما كانوا فإذا قبضوا رفعت أم هي إلى يوم القيامة؟ قال "بل هي إلى يوم القيامة", قلت في أي رمضان هي؟ قال"التمسوها في العشر الأول والعشر الأخر" قلت في أي العشرين هي؟ قال "ابتغوها في العشر الأواخر ، لا تسألني عن شئ بعدها".
وهناك
حكمة في عدم تعيين ليلة القدر حتى يجتهد الناس في ابتغائها بكثرة العبادة والدعاء
بخلاف ما إذا تعينت الليلة وعرفها الناس فإن الهمم ستتجه إلى قيامها فقط، ولكن
الحكمة اقتضت اخفاءها حتى تكون العبادة طوال الشهر ويكون الإجتهاد الأكثر في العشر
الأواخر، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى
توفاه الله تعالى ثم اعتكفت أمهات المؤمنين من بعده.
وهذا ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه والصحابة والتابعين رضوان الله عليهم جميعا عبادة ودعاء طوال العام ثم المزيد من العبادة بجانب الصيام والقيام في شهر رمضان واجتهاد واعتكاف في العشر الأواخر منه... وليس كما نرى في زماننا هذا تكثر العبادة في رمضان كأنه وحده هو شهر العبادات وتمتلأ المساجد في صلاة التروايح كأنها صلاة مفروضة وأصبحنا نرى في ليلة السابع والعشرين الإزدحام الشديد جدا في المساجد كأن هذه الليلة مؤكدة ومعينة.
وقد حُكِيَ عن مالك رحمه الله أن في جميع ليالي العشر تطلب ليلة القدر على السواء لا يترجح منها ليلة على أخرى، ومن المستحب أن يكثر من هذا الدعاء "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".
سوسن سحاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق