هل وصلتك الرسالة؟؟
أرسلتها أم وقفت عندك؟
بقلم: سوسن سحاب
"عالم الغيب وحده لايظهر على غيبه أحدا"
الطريق إلى الجنة ليس بإرسال رسالة
إرسالها وبها معلومات مغلوطة ينشر الضلال
علمٌ لا ينفع وجهلٌ لا يضر
الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة
هل وصلتك رسالة (إيميل) أو (واتس آب) يطلب مرسلها أن تعيد إرسالها لكل من تعرف، ويوعدك بجنات النعيم إن أرسلتها ويتوعدك بالويل والخسران لو توقفت الرسالة عندك ولم ترسلها لمعارفك وغير معارفك؟؟؟
وتكاد ترى سبابته وهو يشهرها في وجهك ويقول إياك ثم إياك أن تتهاون في إرسالها؟؟!!
وهذا خطأ عظيم لأن الطريق إلى الجنة ليس بإرسال رسالة!!
فهل من المعقول لو أن إنسانا لا يفعل شيئا صحيحا واحدا وكل حياته أخطاء ومعاصي، وجاءته رسالة من تلك الرسائل فأعاد إرسالها ثم مات... فهل سيدخل الجنة لهذا السبب؟؟
وهذا عبث لأن دخول الجنة يكون أولا برحمة الله ثم بالعمل الصالح وليس بالنوايا الحسنة، بل على العكس كما يقول المثل الشائع "الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة" فكثيرا ما نبرر أخطاءنا ونقول كانت بِحُسْن نية.
وهذا أيضا تأّله على الله لأنه لا يستطيع أي إنسان أيا كان أن يَعِد أحدا بدخول الجنة فالوعد بالجنة أو النار ليس من اختصاصات الخلق إنه للخالق... لله تعالى وحده "إليه يرجع الأمر كله".
وقد وصلتني العشرات بل المئات من تلك الرسائل....وكلها تتشابه في المحتوى وتتطابق في النهاية التي دائما ما تأتي بهذه الصيغة: أنشرها واجعلها حسنة جارية فيجزيك الله عز وجل خيراً ومغفرةً وثواباً عظيماً وتأخذ أجراً على كل من تصله الرسالة بعدك، ويوضع عملك هذا في ميزان حسناتك يوم الحساب، ولا تجعل هذه الرسالة تقف عندك فتحرم من هذا الثواب العظيم وأدعو لمن أرسل لك هذه الرسالة بالخير.
وكل هذه الرسائل وقفت عندي ولم أرسلها لأحد، والحمد لله لم يحدث لي مكروه والسبب في أني لم أرسلها لأني لم أجد فيها الشيء الذي يقنعني أنها ستنفع الناس وأنه من الواجب الحتمي نشرها بل وجدت أنه من الضرورة أن تقف عندي.
وتوجهت بسؤالي لبعض الناس وعلماء الدين عن تلك الرسائل هل نُعيد إرسالها أم تقف عندنا؟
يحسبون أنهم يحسنون صنعا
تقول يسرية حنفي – مهندسة – تصلني العديد من الرسائل وكلها تتشابه لذلك لا أعيد إرسالها، ولكن هذه الرسالة بالذات كان لا بد من الوقوف عندها والرد عليها ليس رغبة في الأجر أو خوفا من العقاب –من مرسلها– بل كلمة لوجه الله لتوضيح الأمور ووضعها في نصابها الصحيح فقد وصلتني أكثر من مرة من معارفي راغبي الأجر والثواب، وعنوانها "إعجاز القرآن في التساوي والتضاد"، وبداية قرأت فيها "ذكرت الصلاة خمس مرات في القرآن والفروض اليومية خمس فروض، وذكرت الناس 50 مرة والأنبياء 50 مرة" وهكذا...
وتضيف للوهلة الأولى أحسست أن بها أخطاء... لأن كلمة "الصلاة" ذكرت أكثر من50 مرة في القرآن، وكلمة "الناس" أكثر من 100 مرة وغيرها الكثير من الأخطاء، ووجدت أن هذه الإحصائية انتشرت انتشارا واسعا والناس تتناقل أخطائها بدون تفكير وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، وكل من يستقبلها يعيد إرسالها تلقائيا لأنه أخذ وعداً من المُرسِل بالثواب والمغفرة والأجر العظيم، أو الويل والثبور إذا لم يرسلها، ولهذا راجعت الإحصائية لأتأكد من صحة الأعداد الواردة بها، وقد كان بها 25 معلومة ووجدت فقط ثلاثة معلومات صحيحة والباقي خطأ.
أفلا يتدبرون القرآن
وتؤكد فاطمة مبارك- مدرسة تربية إسلامية- أنها وصلتها نفس الرسالة وتأكدت مما بها من أخطاء، وتقول تذكرت قوله تعالى"أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" فلو أن كل مسلم قرأ القرآن وتدبر معانيه لفتح الله تعالى الأقفال التي على قلبه ولما أبهرته هذه الإحصائيات وغيرها، ولست أدري ماذا سيفيد الإسلام وجود مثل هذه الإحصائيات فهي من قبيل "علمٌ لا ينفع وجهلٌ لا يضر" فماذا سأستفيد لو علمت بهذه الإحصائية وماذا سأخسر لو لم أعلم.
وتضيف لو تدبرنا القرآن لوجدنا إعجازا أعظم وأبلغ وأعمق من أية إحصائيات فهذه الإحصائية لن تزد المؤمن إيمانا ولن تُخرج الكافر من كفره، ولكن أغلبنا للأسف هجر القرآن وأصبحنا كقوله تعالى "وقال الرسول ياربِ إن قومي إتخذوا هذا القرآن مهجورا".
غير لائقة
ويقول عبد الله شاكر- موظف- تأتيني رسائل كثيرة ولكن ليس عندي الوقت لقراءتها وكنت أقوم بإعادة إرسالها تلقائيا ولا أعرف محتواها لأنه يبدو من عناوين الرسائل أنها محترمة، حتى تلقيت مكالمة من أحد أصدقائي يخبرني أني أرسلت له رسالة تحتوي على موضوعات وصور غير لائقة فلذلك ندمت جدا وقررت ألا أرسل أي رسالة قبل معرفة فحواها أولا.
سماسرة جنة ونار
أما إلهام السيد- موظفة- فقد استفزتها كثيرا رسالة " عشرة أشياء لن يسألك الله عنها" وتتساءل هل أطلعهم الله على الغيب؟ بالطبع لا... لأنه سبحانه "عالم الغيب وحده لايظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول" وقد انتهى عهد الرسل بوفاة نبينا عليه الصلاة والسلام فلماذا -والعياذ بالله- نتأله على الله ونقول سيسألك عن كذا ولن يسألك عن كذا، وإذا أرسلتها ستدخل الجنة وإذا لم ترسلها ستدخل النار... هل هم سماسرة جنة ونار؟
إرسلها ولن تندم
ويعترف أحمد محمود- محاسب- بأن عنوان الرسالة خَدَعَهُ فأرسلها قبل قراءتها حتى لا يفوته الخير "إرسلها ولن تندم وسيأتيك الخير الكثير" وعندما قرأها وجدها إعلانا لبيع كتب دينية فندم لأنه أصبح معلنا لسلعة لا يعرف عنها شيئا.
أنقذوا أحبائكم من الموت
وتقول فاطمة المنصوري- مدرسة - جاءتني رسالة خطيرة بدايتها تتوعدني وتحذرني من مصير الذين أهملوها ولم يرسلوها وأن أحدهم ابنه توفى في حادث سيارة والآخر انقلب به القطار ( قلت في نفسي وما ذنب باقي الركاب هل جاءتهم نفس الرسالة وأهملوها أيضا؟؟ ) ووجدت أن هذه الرسالة وغيرها تؤثر في معدومي الثقافة والفكر وأن الجميع يجب ألا يتعاطى مع هذه النوعيات من الفكر المتخلف
غير موجود بالخدمة
ويقول كريم أحمد –موظف بنك- وصلتني رسالة "الحج على نفقة فاعل خير" وأيضا" زراعة كُلى مجانا في مركز طبي" وقبل أن أعيد إرسالها أحببت أن أتأكد بنفسي من رقم الهاتف المذكور بالرسالة, ووجدت الهاتف غير موجود بالخدمة، فعلمت أن الموضوع ما هو إلا مزحة سخيفة من أشخاص لا يقدرون المسئولية.
أما هيفاء محمود -سكرتيرة- فهي لا تتردد لحظة في إعادة إرسال هذه الرسائل وتقول: أعيد إرسالها فورا حتى بدون قراءتها رغبة في الأجر والثواب، وأحيانا يطلب مني بعض الأصدقاء عدم ارسال هذه الرسائل لهم لأن بها مغالطات أو معلومات خاطئة لكني أخبرهم أنني أرسلها لهم كما وصلتني، وأريدهم أن ينالوا نفس الأجر والثواب!!!!
سلوك عدواني ضد المجتمع
وتؤكد الدكتورة منى فاروق- أستاذة بجامعة عين شمس بالقاهرة- أن هذه الرسائل التي يقصد مرسلوها المزاح أو السخرية تعتبر تصرفات غير إنسانية وغير أخلاقية ولا تصدر إلا من أشخاص غير مسئولين، فالشخص الذي يبث رسائل تحتوي على شائعات مثل تفشي مرض ما أو العطر القاتل أو حتى رسائل دينية يكون بها أحيانا مغالطات واضحة، فكل هذا يُعَّد سلوكا عدوانيا ضد المجتمع ويعبر عن بعض العقد النفسية المترسبة في العقل الباطن.
جرأة شديدة على دين الله
وينبه أ.د.عبد الفتاح إدريس- أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بالقاهرة والخبير بالمجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي-أن هذه الرسائل التي ترد عبر البريد الإلكتروني والواتس آب والتي تهول من كم الجزاء الأخروي الذي ينال من يستجيب لإرسالها إلي أكبر عدد ممكن من الأصدقاء...هي رسائل فيها الكثير من المعلومات المغلوطة عن الإسلام، والاستجابة لإرسالها إلي أكبر عدد ممكن من الناس وبها هذه المعلومات المغلوطة ينشر الضلال، ويفضي إلي إثم صاحبه بمقدار الضلال الذي يحدث لمن أرسله إليهم.
مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة " بل إن التقدير المبالغ فيه لحسنات مرسلها فيه كذب وجرأة شديدة علي دين الله تعالي، ولا يخلق بمسلم أن يتصف بذلك حتى لا يستحق الوعيد الشديد علي الكذب علي شرع الله تعالي والجرأة علي دينه.
كثير من الأخطاء
ويقول الشيخ محمود حامد- لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية- معظم هذه الرسائل تحتوي على كثير من الأخطاء الدينية والقليل منها صحيح ولكل إنسان الاختيار فى إرسال الصحيح منها أو ترك الإرسال، أما الخاطيء فلا يحل إرساله مطلقا.